بعد لحظات من عمر التاريخ وأربع سنوات من قيام ثورة يوليو 1952، عرفت مصر المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1956، وبعدها، أقامت حكومة الثورة «وزارة الإرشاد القومي» للقيام بالمهام الإعلامية والتوعوية للحكم الجديد ورأسها الوزير فتحى رضوان الذى تمتع برؤية واضحة ومهمة لمكونات الثقافة فأنشأ «مصلحة الفنون» و»إدارة للثقافة والنشر» و»مركز الفنون الشعبية»، وبعده جاء الوزير ثروت عكاشة ليصل بمهام الوزارة إلى اعلى وأكبر معدل ويحقق نهضة ثقافية كبيرة خلال سنواته الاولى «1958- 1962» وقبل ان يعود من جديد ليتولى الوزارة عام 1966 وليقرر الاعتماد على المثقفين المصريين فى الادب والفن والفكر فى إدارتها مهما تكن توجهاتهم السياسية مع اعداد جيل جديد يحمل هذه المسئولية بعدهم، وهو ما تجلى فى إنجازات ليس لها مثيل فى هذا الزمن مثل انشاء قصور وبيوت للثقافة فى كل محافظات مصر من خلال مشروع «الثقافة الجماهيرية»، ومثل مساهمة الدولة فى انتاج السينما من خلال «المؤسسة المصريةالعامة للسينما» ، ومثل انشاء معاهد الفنون التى تحولت لأكاديمية لدراسة السينما والسيناريو والإخراج والتمثيل والنقد، وهو ما اضاف الكثير للحياة الفنية والثقافة المصرية، خاصة ان الدولة والوزارة، فتحت ابواب الابداع بلا تدخل منها وهو ما اضاف كثيرا للسينما المصرية التى شهدت نهضة كبيرة فى الخمسينات والستينيات، كما شهدت اعلى معدل للانتاج السينمائى وقتها، ومن الملفت هنا أن عدد الافلام التى قدمت عن الثورة لا يزيد على العشرة افلام تطرح زمنا يسبق الثورة نفسها إلى مقدماتها حيث الحكم الملكى والاستعمار الإنجليزي، وأيضا حرب فلسطين، ثم ثورة يوليو واحداث حريق القاهرة والعدوان الثلاثى فى بورسعيد.
فتاة فلسطين والله معنا
الفيلم الأقدم هنا هو فيلم (فتاة من فلسطين) والذى انتج فى عام النكبة 1948 والذى أنتجته عزيزة امير وشاركت فى كتابته مع يوسف جوهر احد كتاب السينما الكبار وقتها واخرجه محمود ذو الفقار وتدور قصته حول طيار مصرى يذهب مع الجيش الذى ذهب للدفاع عن فلسطين وقت الهجوم عليها من الصهاينة لاحتلالها، وفى احد الغارات تسقط طائرته فى قرية، وتعثر عليه (سلمي) مصابا فتأخذه لمنزلها هى وعائلتها لانقاذه وهناك يعرف كل شيء عما يحدث للفلسطينيين، ومقاومتهم الشجاعة للغزاة، وان المنزل تحول إلى مخزن سلاح للفدائيين الفلسطينيين، وبالطبع يعجب البطل المصرى بالبطلة الفلسطينية وتبدأ قصة حب ،وفى عام 1955 قدمت السينما المصرية فيلم (الله معنا) وحضر عرضه الأول الرئيس عبدالناصر بعد ان توقف لعامين بسبب تحفظ الرقابة وقتها لكونه يدور حول كفاح الضباط الأحرار للخلاص من العصر الملكى وفساده، ووجود اللواء محمد نجيب قائد الثورة الاول، ولكن تظلم صناعه (احسان عبد القدوس ككاتب واحمد بدرخان كمخرج وسيناريست) دفع ناصر إلى رفع الظلم وحضور عرضه فى سينما ريڤولى وقتها، وبعد عامين ، 1957، قدمت السينما الفيلم الثالث، (الأكثر عرضا على الشاشات الآن) وهو فيلم (رد قلبي) عن قصة الأديب يوسف السباعى وسيناريو واخراج عز الذين ذو الفقار، والذى يعتبره الكثيرون فيلم الثورة وفقا لقصته التى تقدم الفروق الاجتماعية الحادة من خلال الشاب على (شكرى سرحان) ابن الريس عبدالواحد الجناينى الذى يزرع حديقة الباشا، (حسين رياض) والذى يعيش فى مكان بالحديقة مع زوجته وابنه الذى عاش قصة حب مع بنت الباشا، الأميرة أنچى (مريم فخر الدين) ، لكنها تتحول لمأساة حين يكبر الاثنان، ويلاحظ شقيقها المتغطرس (احمد مظهر) ابن الباشا تلك النظرات فيغضب ويقرر قتل على الذى كان قد نجح فى دخول الجيش، لكن هذا لا يقرّبه منها، بل تصمم اسرتها على تزويجها ممن يناسبها، وتقوم الثورة، وتتعدل الاحوال، ويهرب الباشا وابنه إلى الخارج.
مقاومة الاحتلال الإنجليزي
فى بيتنا رجل، الفيلم الشهير الذى انتج عام 1961 والثانى لاحسان عبدالقدوس، والسيناريست سيد عيسي، والمخرج هنرى بركات، والممثل عمر الشريف قبل ان يصبح عالميا، فى دور (ابراهيم حمدي) عضو جمعية سرية لمقاومة الإنجليز، والذى قتل رئيس الوزراء المتواطئ معهم، وقبض عليه ودخل المستشفى لاصابته، فيهرب إلى منزل صديق له لا علاقة له بالسياسة هو محيى (حسن يوسف) وترحب به الاسرة ، ويقرر ان يسعى لعمل ثان قبل سفره هو تدمير معسكر للإنجليز بالعباسية ، وينجح، لكنه يصاب فى مقتل ،ويكون سببا فى انضمام محيى وابن عمه لكتائب المقاومة ، ويأتى الفيلم التالى (لا وقت للحب) عام 1963 ليرينا وجهاً آخر للمقاومة لاجل الثورة ، والذى تدور احداثه أثناء حريق القاهرة عام 1952 ، وحيث يتعرض المهندس حمزة (رشدى اباظة) المتطوع فى كتائب الحرس القومى هو وزملاؤه للمطاردة من سلطات الاحتلال الإنجليزى للقبض عليهم، وتصبح معرفته بالمهندسة فوزية سببا فى دعمه هو وزملائه، وفى تكوين مجموعة جديدة ضد الإنجليز من خلال فوزية وزميلاتها، الفيلم عن قصة للدكتور يوسف ادريس، وسيناريو لوسيان لامبرت ، واخراج صلاح ابو سيف وشارك فى التمثيل الكاتب صلاح جاهين و فاتن حمامة التى قامت فى العام نفسه ببطولة فيلم ثان عن المقاومة والثورة والمرأة وهو فيلم (الباب المفتوح) عن رواية للكاتبة لطيفة الزيات واخراج هنرى بركات وتدور حول (ليلي) ابنة الاسرة المتوسطة التى تذهب للجامعة لكن أستاذها (محمود مرسي) يحاصرها حتى لا تتجاوب مع زملائها مقررا ان يتزوجها، اما والدها فيرفض ايضا ان يعطيها حرية التصرف مثل شقيقها، ويرفض مشاركتها فى المظاهرات ضد العدوان الثلاثى على مصر وفرق المقاومة الشعبية فى بورسعيد، ولا تجد الدعم إلا من صديق شقيقها (قام بدوره صالح سليم) والذى يدعم حريتها فتقرر الذهاب معه إلى بورسعيد للانضمام للمقاومة.
الملاحظ هنا ان الافلام التى دارت حول المقاومة للاحتلال فى العهد الملكي، أو مقاومة نفس المحتل فى العهد الجمهورى هى الاكثرعددا (وبالطبع موجة الافلام بعد ثورتى يناير ويونيو بين عامى 2011 – 2013) هذه الافلام كلها تكون جزءاً مهماً من تاريخنا ومن تاريخ السينما المصرية ، ومنها افلام مثل (غروب. وشروق) للكاتب جمال حماد والذى كتبه للسينما رأفت الميهى وأخرجه كمال الشيخ عام 1970 ليقدم خلاله صورة لا تنسى للاستبداد السياسى من خلال شخصية رجل القصر القوى عزمى باشا (بأداء محمود المليجي) وكيف كانت ابنته (سعاد حسني) سببا فى نهايته بدون ان تقصد ،اما فيلم (شيء فى صدري) بعد عام (1971) عن قصة احسان عبد القدوس وسيناريو وحوار رأفت الميهي، واخراج كمال الشيخ ايضا ، فيطرح علينا جانباً آخر من استبداد الأغنياء بالفقراء قبل الثورة.