ليس من قبيل المفاجأة ردود الأفعال شديدة الإيجابية التى صاحبت اختيار الفريق كامل الوزير نائباً لرئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزيرا للنقل والصناعة، لم أقابل مسئولا أو مستثمرا أو رجل أعمال إلا ووجدته مبتهجا متهللا متفائلا بهذا الاختيار الذى صادف أهله تماما، لكن الغريب والمفاجأة بالنسبة لى هو ردود أفعال الكثير من المواطنين العاديين الذين لا تربطهم بالصناعة إلا ذكريات عزيز صدقى الذى بناها وعاطف عبيد الذى باعها، على كل فالمؤكد وبعد أن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة أننا أمام مرحلة جديدة تماما فيما يخص الصناعة تحديدا، الفريق كامل الوزير لا يحتاج إلى تعريف او تقديم أو اشادة او تهليل، فالرجل وطنى تكنوقراط لا يعرف إلا العمل والنجاح والحسم فى اتخاذ القرارات، لا يعرف التأويل أو التأجيل أو المناورة واللف والدوران، من الآخر وبالبلدي.
«راجل وطنى دوغرى ابن بلد وابن أصول» من هنا أعرض على الفريق كامل بعض المقترحات ونحن فى بداية رحلتنا مع الصناعة، لابد من ربط التعليم الفنى والجامعات التطبيقية بالصناعة مثلما هو الحال فى ألمانيا واليابان، لابد من ضم جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى الصناعة حتى يكون هناك خطة متكاملة بعيدا عن الجزر المنعزلة والتنظير الفارغ من المضمون، لابد من ربط البحث العلمى ومراكز الدراسات المرتبطة بالصناعة إلى الوزارة بأى آلية ربط ممكنة ، لابد من تنظيم مسابقات لأفضل مخترع وأفضل صانع وأفضل مصنع وأفضل قطاع صناعى وأفضل منطقة صناعية، لابد من إعادة الاعتبار للصناعة المصرية لتكون قاطرة حقيقية للتنمية، لابد وان تكون مشاركة الصناعة فى الناتج المحلى الإجمالى لا تقل عن 40 ٪ ومشاركتها فى الصادرات بنسبة مماثلة، لابد كذلك من التركيز على الصناعات التى نتميز فيها بمزايا نسبية كصناعات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والأجهزة المنزلية والصناعات الغذائية والهندسية والكيماويات والأسمدة والأسمنت والحديد، لابد كذلك من وقف تصدير المواد الأولية بكافة أنواعها ليتم استخدامها فى الصناعة المحلية، ويأتى على رأس أولويات القرارات التصحيحية التى انتظرها من الفريق كامل الوزير منع وحظر بل وتجريم استيراد الجهات والمؤسسات والهيئات الحكومية لأى سلعة أو معدة لها بديل محلى حالى أو ممكن، فلا يعقل أن يكون لدينا صناعات محلية ونتركها ونستورد الأجنبى بحجة المواصفات القياسية الموضوعة، وأعلم وأثق أن الفريق كامل يعلم جيدا أن هناك من أصحاب المصالح من يعرقل «المراكب السايرة» فقط من أجل مصلحة شخصية، ملف الصناعة المصرية يحتاج إلى ما هو أكبر وأهم من كل ما سبق وهو
أن ينتبه المجتمع إلى الصناعة، فالجميع يحب الصناعة لكن ماذا فعل كل منا للصناعة؟ لابد من تغيير ثقافة المجتمع تجاه الصناعة والعامل والمهندس والفنى ونعيد لكلمة «أسطي» بهاءها ورونقها واحترامها، أتذكر أننى كتبت هنا منذ فترة عن تجربة أوساهيرا ذلك الطفل اليابانى الذى ولد فى مدينة ناجازاكى عام 1856 وسط اسرة فقيرة وداخل مجتمع يعانى ويلات الحروب والفقر، عشق الميكانيكا منذ نعومة أظفاره فتفوق دراسيا حتى وصل الى الجامعة ومنها الى بعثة تعليمية لنيل درجة الدكتوراه فى ألمانيا، كان معه مجموعة من الطلبة اليابانيين ابتعثوا جميعا لتعلم الهندسة الميكانيكية ونقلها من المانيا الى اليابان، لاحظ أوساهيرا أن الألمان يقدمون لهم فى قاعات البحث كل ما هو نظرى فقط دون التطرق الى الاطر التطبيقية، قرر أوساهيرا الاعتماد على نفسه فقام بشراء محرك صغير من أحد المعارض فى مدينة هامبورج وعكف عليه ثلاثة ايام كاملة يجرب بنفسه فك وترقيم ثم اعادة تركيب كل قطعة فى المحرك، بعدها بدأ فى اصلاح وصيانة أحد المحركات بنجاح، لم يكتف صاحبنا بعمليات الصيانة والفك والتركيب بل كان شغله وحلم حياته أن يرى كيف يتم تصنيع المحرك، ترك صاحبنا قاعات الدروس والمحاضرات التى تقود الى شهادة الدكتوراه واتجه الى أحد مصانع صهر وتشكيل المعادن فى هامبورج والتحق للعمل بوظيفة «عامل» تابع بنفسه كل مراحل تصنيع المحرك من لحظة صهر المعادن الى لحظة دوران صوت المحرك، استمر صاحبنا تسع سنوات كاملة يعمل ويرى ويتعلم ليحقق حلم حياته فى صناعة محرك يابانى مائة بالمائة، عاد زملاؤه الى اليابان يحملون شهادة الدكتوراه وعاد أوساهيرا يحمل محركا بين يديه صنعه بيديه وكلفه ذلك 9 سنوات كاملة من العمل والتعلم فى المانيا، علم امبراطور اليابان بقصته فمنحه 5000 عملة ذهبية فاشترى بها ماكينات ومعدات انتاج المحرك من ألمانيا وشحنها إلى اليابان وأنشأ أول مصنع لانتاج المحركات اليابانية وقضى 9 سنوات أخرى من الكفاح والعمل والتعليم، وطلب الامبراطور مقابلته فأحضر معه 9 محركات ودخل على الامبراطور وقام بتشغيلها جميعا وهنا قال الامبراطور «هذه أفضل مقطوعة موسيقية أسمعها فى حياتي» انها صوت المحركات التى حملت اليابان من حالة الفقر والتبعية الى حالة الغنى والسيادة، وتخليداً لقصته العظيمة ابتكر المثل الياباني: اعمل 9 ساعات، 8 لأجلك، وساعة من أجل اليابان، هذه القصة تبدو بسيطة لكن نتائجها غيرت تاريخ اليابان.