لم تكن قضية صناعة الصحابة مسألة عفوية هينة أو متروكة لضربات القضاء والقدر وإنما كان الإعداد دقيقاً ورصينا وقد صنعهم الرسول «صلى الله عليه وسلم»، على عينه ونجح بالفعل فى خلق جيل من نوع فريد لم ولن تعرف الإنسانية مثله وتشهد بعظمته ما بقى الدهر.. ليتحملوا المسئولية والأمانة الكبرى فى حمل الدين إلى العالمين وفى تثبيت اركان دعائم الدولة الإسلامية ولضمان وتأمين مستقبلها ضد أى عواصف أو أنواء على المدى القريب اوالبعيد.. ولعل هذا ما يفسر سر الصمود والقدرة الخارقة على التصدى ومواجهة الأعداء والجيوش المجيشة للامبراطوريات المتعاقبة والمتحالفة والتى كانت مناوئة للاسلام وانتشار دولته.
على مر التاريخ لم يستطع المهاجمون للصحابة ان يفكوا شفرة تلك الصناعة المتينة والاقتراب من اسرارها أو التعرف على مفاتيحها ولذلك خابوا وخسروا دائماً وفشلت كل مشاريعهم المباشرة وغير المباشرة فى النيل من الصحابة أو زعزعة مكانتهم فى النفوس.. الحقيقة ان هؤلاء عميان البصر والبصيرة ينسون أو يتجاهلون أقوى وأفضل أنواع الحصانات التى حظى بها الصحابة والتى أشار إليها القرآن الكريم فى قوله تعالى «رضى عنهم ورضوا عنه» وهل بعد ذلك من حماية وحصانة.
«فالله سبحانه أعلم حيث يجعل رسالته أصلاً وميراثا فهو أعلم بمن يصلح لتحمل رسالته فيؤديها إلى عباده بالأمانة والنصيحة وتعظيم المرسل والقيام بحقه والصبر على أوامره والشكر لنعمه والتقرب إليه ومن لا يصلح لذلك وكذلك هو سبحانه أعلم بمن يصلح من الأمم لوراثة رسله والقيام بخلافتهم وحمل ما بلغوه عن ربهم» كما قال ابن القيم رحمه الله فى طريق الهجرتين.
هذه الحقائق لم تكن غائبة عن عقل وقلب كثير من كبار الصحابة والمقربين إلى رسول الله ويكفى ان نقرأ ما قاله ابن مسعود رضى الله عنه عن صحابة رسول الله « إن الله نظر فى قلوب العباد فوجد قلب محمد «صلى الله عليه وسلم»، خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر فى قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوبَ أصحابهِ خيرَ قلوبِ العبادِ فجعلهم وزراءَ نبيهِ يُقاتِلون على دينه».. ومما سجلوه فى صفاتهم الجليلة: الصحابة أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفاً وأقومها هديا وأحسنها حالا اختارهم الله لصحبة نبيه «صلى الله عليه وسلم»، وإقامة دينه. لذلك لم يكن غريباً أو عجيباً ان يكون حبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة».
من جميل ما قرأت فى تفسير قوله تعالى فى سورة الفتح: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ.. .. «
أن هؤلاء العظماء وصفهم اللَّه تعالى بوصف قمة فى الروعة فى آية قرآنية هى غاية فى العجب وسبب العجب أنها الآية الوحيدة فى كتاب اللَّه التى تجمع فى كلماتها حروف اللغة العربية مجتمعة فما من حرف من حروف لغة الضاد إلا وقد ورد فيها.!
تخيل أن هناك نبتة صغيرة أخرجت من حولها نباتات مساندة أحاطت بالنبتة الأصلية من كل جانب فشدت من صلابتها وساندتها وآزرتها.
فالرسول هو تلك النبتة الأصلية التى انبثق منها الصحابة الكرام أحاطوا به من كل جانب ساندوا وآزروا فاستغلظ بهم واستوى على سوقه وهم محيطون به فتكون هذا البنيان الثابت الذى قلبه هو محمد وجدرانه الصلبة هم صحابته الكرام أمّا الزراع الذين يريدون الزراعة الحقيقية فعلاً «وهم المؤمنون الحقيقيون»، فإنهم يتأملون فى ذلك الزرع الثابت ليتعلموا منه أساس الزراعة الصحيحة» وهذا دليلٌ على وجوب اتباع نهج الصحابة!» أما الكفار فإنهم يغتاظون من روعته وقوته. فإذا ما علمت أن فلانًا كان صحابيًا من صحابة رسول اللَّه وكان فى قلبك مثقال ذرة من غيظ على أحد منهم فاعلم جيدًا أنك فى خطر كبير لأنك ممن ينطبق عليهم قول رب العالمين: «ليغيظ بهم الكفار».
فالصحابة هم الجدار والحصن المنيع حول الرسول ولو تركنا المستشرقين ومن شايعهم من المنافقين والعلمانيين يهاجمون ويشككون بالصحابة فإن الهجوم لن يلبث أن يصل إلى رسول اللَّه «صلى اللَّه عليه وسلم». فالهدف الأول لهؤلاء الخبثاء الآراذل هو قلب البنيان ألا وهو رسول اللَّه!
>> قال أبو زرعة رحمه الله: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة أصحابُ رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة.. والجرح بهم أولى وهم زنادقة».
والله المستعان..