ويظل السؤال الذى يشغل الجميع هل يمكن للعالم كله ان يتخلص أو يخلع عباءة الدولار للأبد لينجو من المقصلة الأمريكية والسيف المسلط على رقاب الجميع بالمصادرة أو بخلق الأزمات العالمية أو بتجميد الاحتياطيات مثلما حدث مؤخرا مع روسيا ومن قبل إيران وليبيا وأفغانستان؟
الإجابه تكمن فى كيفية التملص والتفلفص من قبضة الدولار دون مواجهة مباشرة مع واشنطن أو على الأقل تأجيلها إلى أن يشتد عود المواجهين؟!.. وأعتقد ان قيام بعض الدول فى المرحلة الأولى بين أعضاء المجموعات الاقتصادية مثل البريكس بالتبادل التجارى بالعملات المحلية هو البداية.
وإذا كان البعض يستصعب هذه الخطوة أو يظنها مستحيلة فالرد بسيط بأن العالم مر بمراحل متعددة كان من بينها مرحلة المقايضة، أى مبادلة البضائع ببضائع أخرى وحتى وقت قريب كان التعامل بالعملات المحلية قبل ظهور الدولار وبمئات السنين.
أعتقد أن جامعة الدول العربية لو ترجمت هذا الاتجاه فى صورة قرار ملزم لجميع الدول العربية بالتبادل التجارى بينها بالعملات المحلية خاصة بعد اتفاق بعض الدول على ذلك مثل الإمارات ومصر وتسير فى هذا النهج بعض الدول البترولية.
تخيلوا معى بعد انتهاء قيد اتفاقية البترودولار منذ أسابيع والتى وقعت عام 1974.. أقول يمكن الآن ان تتحرر الدول النفطية فى العديد من دول العالم من هذا القيد.
تخيلوا معى ان الصين صاحبة الاقتصاد والتجاره الضخم والتى تستحوذ على نصيب كبير من التجارة العالمية قد قررت ان يكون تبادلها مع العالم كله بالعملات المحلية بعد ان بدأت مع روسيا وعدد من دول العالم المشوار.
ماذا إذا قرر الاتحاد الأوروبى ان يكون التعامل بين الأعضاء باليورو فقط، نعم أوروبا تابعة لواشنطن لكن اعتقد تعارض المصالح قد يكون منفذا للباحثين عن الخلاص.
طبعا الأمر ليس بهذه السهولة والسذاجة والسطحية لوجود العديد من العراقيل التى يمكن ان تجعل العالم فى مهب الريح.. مثلا ستكون أول معضلة كبرى من بعض الدول الدائنة لأمريكا وقد وصلت المديونية الأمريكية إلى رقم لا يصدقه العقل إلى أكثر من 36 تريليون دولار، كيف ستسترد فلوسها بعد ان ينهار الدولار؟!
ومن جهة ثانية ماذا ستفعل كل دول العالم التى تحتفظ بالاحتياطى النقدى لها بالدولار، وكلها ستتحول إلى مجرد ورق أرخص من الحبر الذى طبع بها.. ومن جهة أخرى كيف ستسترد دول أخرى الإيداعات أو الاستثمارات بالدولار فى الأسواق الأمريكيه وغيرها؟
طبعا تراهن واشنطن على مثل هذه المعضلات وخسارة العالم كله ما لديه من ثروات إذا فكر فى التحول عن الدولار وكله لصالح الكاوبوى الأمريكي؟
لا أحد يشكك فى هذه النتائج الكارثية، لكن تعالوا نستعيد ما حدث بالفعل من كوارث خطط لها الكاوبوى الأمريكى بحرفية من قبل وكانت آخرها الحرب الروسية الأوكرانية وقبلها الكورونا وقبلها الأيام السوداء فى البورصات العالمية وكلها بيد وتخطيط الأمريكان، لكن مشكلتنا أننا ننسى ان واشنطن قررت ان تحصل على ثمن الانتصار قبل ان تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها حين بدأت تعمل بقوة للسيطرة على العالم بإنشاء نظام عالمى جديد تكون على قمته وفى القلب منه نظام عالمى اقتصادى جديد تكون واشنطن والدولار الأمريكى رأس الهرم فيه، وتم ترجمة الحلم الأمريكى باتفاقية Bretton Woods سنة 1944 باعتماد الدولار كمرجعٍ رئيسى لتحديد سعر عملات الدول الأخري، باختصار ترسّخت هيمنة الدولار الأمريكى على تعاملات العالم الاقتصادية، وبدأت مرحلة الخداع بالغطاء الذهبى للدولار وهى تمتلك 75 ٪ من ذهب العالم، وأصبح الدولار هو العملة الوحيدة على مستوى العالم المغطاة بالذهب، مما دفع دول العالم إلى تكديس الدولارات بهدف استبدالها بالذهب مستقبلاً كاحتياطى لها، وكانت حرب فيتنام ومطالبة الرئيس الفرنسى ديجول عام 1971 بتحويل الدولارات فى البنك المركزى الفرنسى إلى ذهب، الدافع وراء إلغاء الرئيس الأمريكى نيكسون التزام واشنطن بتحويل الدولارات إلى ذهب.. وهكذا سرقت واشنطن كل احتياطى العالم!
يعنى التاريخ محتشد بالأزمات والنهب والسرقة ومن إخراج سينما هوليوود، وعلينا توقع ردود أمريكية لا تخطر على البال لكن ستكون الصرخة الكبرى إذا أتحد الجميع: لن نعيش فى جلباب من يسرقنا منذ عام 1944؟!