دبت حالة من النشاط الكبير فى الأجهزة الحكومية والمحليات خلال الأسبوعين الماضيين مع بدء تسلم الوزراء والمحافظين مسئولياتهم عقب أدائهم اليمين الدستورية فى التشكيل الجديد للحكومة وحركة المحافظين.
عقب أول اجتماع للحكومة بتشكيلها الجديد عقد رئيس الوزراء – لأول مرة – مؤتمراً صحفياً حقيقياً يحضره الصحفيون ويوجهون له الأسئلة التى تعبر عن اهتمامات المواطنين ويتلقون إجابات فورية عنها على الهواء مباشرة.
رئيس الوزراء يتقدم خطوة أخرى ويتعهد للصحفيين بأن يكون هذا المؤتمر بشكله الجديد تقليدا دائما عقب الاجتماعات الأسبوعية لمجلس الوزراء.
بيان الحكومة الجديدة أمام البرلمان مبشر بالأمل مليء بالوعود التى تداعب خيال المواطن فى كل القضايا والملفات المزمنة والطارئة التى تتعلق بحياة المواطنين ومستقبل الوطن وفى مقدمتها ملف الأسعار ومكافحة التضخم وملف الطاقة.
الوزراء – كل فى نطاق مسئوليته الدستورية – يعرضون خططهم وبرامجهم التفصيلية أمام اللجنة البرلمانية الخاصة التى شكلها البرلمان لدراسة بيان الحكومة وإعداد تقرير عنه يتم بموجبه التصويت بالثقة فى الحكومة.. النواب أعضاء اللجنة يناقشون كل وزير فيما يعرضه ويتجاوبون مع ما هو إيجابى فيه.
المحافظون من أول يوم نزلوا الشارع.. التقوا بالمواطنين تحملوا مثلهم حرارة الجو بعيدا عن مكاتبهم المكيفة ولقاءاتهم الرسمية المعلبة.. استمعوا لهم وناقشوهم.. توجهوا إلى الأسواق يسألون عن الأسعار ويظهرون هيبة الدولة فى مواجهة المخالفات.
هل نحن أمام روح جديدة فى العلاقة التبادلية بين الحكومة والمواطن؟!
استمعت إلى آراء الكثيرين من مختلف فئات الشعب ووصلتنى من قراء الجريدة عشرات التعليقات على هذه المشاهد من مختلف المحافظات.
قال البعض: نعم روح جديدة خاصة ان التشكيل الجديد للحكومة والمحافظين قدم لنا وجوهاً شابة.. والشباب يتميز دائما بالحيوية فى الفكر والعمل ولديه طموح للأفضل.
وقال غيرهم: مشاهد قديمة تتكرر مع بداية كل تغيير فى الحكومة والمحافظين.. «لكل غربال جديد شدة» كما يقول المثل العامى المصري.. علينا أن ننتظر لنرى إلى متى ستدوم هذه الروح وذلك النشاط ويتحول إلى نظام عمل حقيقى ومستدام.
وقال آخرون: روح جديدة بالفعل.. ولكن على قمة الأجهزة التنفيذية.. المهم هو كيف ومتى تسرى هذه الروح فى أوصال هذه الأجهزة من القمة إلى القاعدة حتى يلمسها المواطن فى تعامله اليومى مع مقدمى الخدمات فيها.
هكذا يرى كل فريق هذه المشاهد من منظوره الخاص وعلى الحكومة والمحافظين التعامل مع هذه الرؤى بواقعية وحسن نية.
لكن ما هو محل شبه الاجماع ان التغيير أحيا أملاً لدى المواطنين فى امكانية أن يقودهم إلى الأفضل.
وعلى الحكومة أن تلتقط هذه اللحظة وأن تعمق هذا الاحساس بالأمل لدى الموطنين وتحوله إلى واقع.. كيف؟!
بأن تترجم الوعود التى أطلقتها فى بيانها أمام البرلمان إلى برامج تنفيذية محددة بتوقيتات وجداول زمنية خاصة فى المجالات التى تتصل بالحياة اليومية والمعيشية للمواطنين ويشعرون بأى تغيير مباشر فيها.
وأن تجعل المواطن شريكا لها فى كل خطوة.. فهو القوة العاملة والفاعلة وهو مناط الرضا أو الغضب تجاه الحكومة.
وشراكة المواطن مع الحكومة تحتاج من الحكومة إلى تواصل مستمر معه ليس بأن تلقى عليه بياناتها وتصريحاتها فقط بل الأهم أن تستمتع إليه وأن تتعرف على حجم معاناته على أرض الواقع وما لديه من أفكار وحلول والتعامل معها فى إطار من الاحترام الكامل.
بأن تعيد الحكومة للعمل مكانته وقدسيته.
اننى مندهش من ان الرئيس السيسى هو من أطلق قبل سنوات شعار: «اعمل أكثر» ودعا كل مواطن منا كلما شعر بوطأة المشكلات أو جسامة التحديات وهو شعار أشدت شخصيا به فى هذا العمود فى حينه بينما الحكومة تغدق على المواطنين بالإجازات بضرورة وبغير ضرورة حتى ضج العاملون بها وأصبحوا هم من يلوم الحكومة على ذلك فى وقت نحتاج فيه لكل لحظة من أجل الإنجاز وتقديم إضافة جديدة لبناء الوطن.
التعامل الاحترافى مع حرب الشائعات التى تتعرض لها مصر وتهب علينا عواصفها كل لحظة وليس كل يوم من الداخل والخارج وتمس كل أمور حياتنا وبعضها يتعلق بقضايا سيادية واستراتيجية على مستوى الوطن.
اننى أسوق مثالا قريبا لذلك وهو شائعة اعتزام مصر «بيع» قناة السويس مقابل تريليون دولار وهى شائعة ترددت منذ أيام وغير قابلة للتصديق من جانب أى عاقل حتى لو لم يكن مصريا أصلا.
ولكن.. كيف تم التعامل الرسمى مع الشائعة؟!
لقد أصدر «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار» التابع لرئاسة مجلس الوزراء – أى الحكومة – بيانا يشير فيه إلى أنه فور علم المركز بهذه الشائعة أجرى اتصالاً بهيئة قناة السويس التى نفت الشائعة وأكدت انها عارية تماما من الصحة!!
يعنى مركز «المعلومات» ليس لديه معلومات ومحتاج للتواصل مع هيئة قناة السويس ليسألها «انتوا بعتوا القناة صحيح»؟! ليحصل منها على النفي؟! وهل يتصور من صاغ البيان بأن الهيئة يمكن أن تكون قد باعت القناة أو اتفقت على بيعها من وراء ظهر القيادة السياسية والحكومة والبرلمان والشعب؟!
حرب الشائعات ضارية والرد عليها يتطلب تدرجا فى المسئولية حسب مستوى الشائعة نفسها.. فمركز المعلومات يمكن أن يسأل وزير التعليم مثلاً فى شائعة موعد بدء العام الدراسى الجديد أو غيره، لكن أليس المركز مؤهلاً للرد على شائعة تتعلق ببيع مرفق سيادى استراتيجى على مستوى الوطن.
هذه مجموعة خواطر حول التغيير الحكومى الذى أشارك كل المتفائلين به فى أن يكون فى الاتجاه الصحيح.. اتجاه تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطن.. اشراكه فى مواجهة تحديات الوطن.. تحفيزه على بذل كل الجهد والعرق بلا توقف كل فى مجال عمله لتقديم اضافة فى بناء مصر وأن تسرى هذه المعانى جميعا فى أوصال كل أجهزة الدولة من القمة إلى القاعدة.