.. تعرض الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب لمحاولة اغتيال فاشلة خلال قيامه بإلقاء خطاب انتخابى.. خلال تجمع حاشد لمؤيديه فى بنسلفانيا.. رصاصات معدودة.. فشلت فى اغتيال ترامب قبل إعلان ترشحه رسميًا لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة باسم الحزب الجمهوري..
وقالوا إنها لم تكن مجرد محاولة فاشلة لاغتيال ترامب.. بل هى محاولة لاغتيال الديمقراطية الأمريكية.. والنظام السياسى الأمريكي.
وسرعان ما ارتفعت أصوات العقل والحكمة فى واشنطن تحذر بشدة من أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تحولت إلى جمهورية ديمقراطية شديدة العنف.. فى مواجهة العنف السياسي.. والانقسام الحاد والتمزق المزمن الذى يهدد النسيج السياسى والاجتماعى الأمريكي.. بل ويهدد «الحلم الأمريكي» الدائم فى صنع الثراء والتقدم.
فلم يحدث من قبل أن واجهت الديمقراطية الأمريكية كل هذه المخاطر والتهديدات فى توقيت واحد ومتزامن.. ويبقى السؤال.. هل العصر القادم فى أمريكا هو عصر الانقسام الحاد والعنف وانعدام الاستقرار؟!
.. وماذا يبقى من الولايات المتحدة الأمريكية فى القرن الحادى والعشرين؟.. وماذا يبقى من أقوى وأعظم إمبراطورية عسكرية واقتصادية فى الوجود؟!
.. هل أمريكا تملك حاليًا من اللياقة العسكرية والاقتصادية ما يكفى لقيادة الغرب – الأمريكى الأوروبى – فى القرن الحادى والعشرين.. ومواصلة عصر هيمنة الحضارة الغربية على العالم؟!
سؤال كبير جدًا.. بلا إجابة سواء فى واشنطن أو فى عواصم أوروبا الكبري.. باريس وبرلين ولندن.
وخلال ساعات بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التى تعرض لها دونالد ترامب وسط أنصاره ومؤيديه.. تحدثت مجلة فورين أفيرز الأمريكية عن الدورة الجهنمية للعنف السياسى وجرائم الاغتيالات التى تهدد الديمقراطية الأمريكية.
وتبدو الإمبراطورية الأمريكية تحت حصار الأزمات من كل الاتجاهات الاقتصاد الأمريكى يعانى من أزمات الدين القومى الأمريكى الذى يتضاعف بسرعة الصاروخ حتى أصبح 35 تريليون دولار.. وتضطر وزارة الخزانة الأمريكية لطباعة تريليون دولار كل مائة يوم.. كما تضطر لدفع تريليون دولار سنويًا فوائد للديون الأمريكية.. وتضطر الحكومة الفيدرالية الأمريكية لاقتراض 1.5 تريليون دولار أمريكى من أجل سد عجز الموازنة الفيدرالية الأمريكية.
أسرار وحقائق.. وأكاذيب
وترتفع الأصوات فى كل مدن وعواصم الدنيا.. تردد اسم أمريكا.. أمريكا.. أمريكا.. وتتحدث عن أى سر فيها.. ولا أحد من الخبراء حول العالم يدري.. ويبدو أن كل ما فى أمريكا من الأسرار والحقائق.. وحتى الأكاذيب.. تغرى الخبراء والمراقبين بضرورة الفحص والدرس والتأمل والاستقراء لكل ما يجرى ويدور فى أمريكا.. أكبر إمبراطورية عسكرية واقتصادية فى التاريخ.. وكل الأحداث والخيوط تبدأ من أمريكا.. وتنتهى أيضًا فى أمريكا.
ومن الأسرار الكبرى أيضًا أن أحدًا لا يدرى الدوافع النهائية الحقيقية وراء سياسات أمريكا الداخلية.. وأيضًا لا أحد يدرى الأسرار والدوافع الخفية الحقيقية لسياسات أمريكا الخارجية وهناك من يتحدثون حاليًا فى واشنطن عن حلف الناتو باعتباره المشروع الجديد لإقامة إمبراطورية أمريكية – أوروبية مشتركة.. وذلك خوفًا من احتمالات ومخاطر انهيار الإمبراطورية الأمريكية الوشيك فى هذا القرن.
محاولة اغتيال الرئيس الأمريكى السابق ترامب.. ليست الجريمة السياسية الأولى فى تاريخ أمريكا.. وقد لا تكون الأخيرة.. أو من المؤكد فى هذه الظروف السياسية العاصفة.. أنها لن تكون الأخيرة!
المعجزة
وقد تساءلت واشنطن كثيرًا.. بعد محاولة الاغتيال الفاشلة.. وقال البعض فى العاصمة الأمريكية.. هل يمكن أن تكون المعجزة التى أنقذت دونالد ترامب من الموت.. معجزة تنقذ أمريكا ذاتها من عواصف العنف السياسى الرعدية التى تهز أركان المجتمع السياسى الأمريكى بحدة تشبه هزات الزلازل..!
وأكد أنصار ترامب أن كل ما يريده مرشح الحزب الجمهورى هو أن «يجعل أمريكا عظيمة مرة أخري».
لماذا إذن يريد أعداء ترامب تدميره وقتله منذ إعلان ترشحه فى انتخابات الرئاسة السابقة فى 2015؟!
لماذا يرى أعداء ترامب أنه الشيطان الذى يهدد أمريكا والديمقراطية الأمريكية؟! لماذا تقف الطبقة السياسية فى واشنطن ضد دونالد ترامب.. والحقائق تفرض نفسها على كل الأطراف.. لان مستوى معيشة المواطن الأمريكى فى تراجع وانحدار مستمر.. وحياة المواطن الامريكى تتراجع ولا احد يعبأ بما يحدث.
فقد اغلقت المصانع ابوابها.. دون ان يلتفت احد لانهيار الولايات المتحدة.. ولم يلتفت اصحاب الملايين واثرياء امريكا الكبار لحياة المواطن الامريكي.. ودونالد ترامب.. هو الرئيس الامريكى الذى يريد الاقتراب من المواطن الامريكي.
وقائع الجريمة
هنا.. لابد ان نحاول الاقتراب من وقائع محاولة الاغتيال الفاشلة التى تعرض لها دونالد ترامب.
فقد كان الرئيس الامريكى السابق يلقى خطابا حماسيا امام تجمع انتخابى حاشد لانصاره ومؤيديه فى بنسلفانيا.. قبل اعلان ترشحه رسميا للرئاسة الامريكية باسم الحزب الجمهورى الامريكي.
رصاصات عدة اصابت ترامب بجراح طفيفة فى اعلى الاذن اليمني.. لكن رصاصات اخرى قتلت مواطنا امريكيا من جنود الاطفاء تصادف وجوده فى هذا المؤتمر الجماهيري.. كما اصيب مواطنان امريكيان آخران بجراح عميقة.. هما فى حالة صحية حرجة.
هكذا ظهرت اعراض الكراهية العميقة للزعماء السياسيين فى الشارع السياسى الامريكي.. واتضح ان الكراهية لمن تختلف معهم فى السياسات يمكن ان تؤدى لهزات تشبه هزات الزلازل الكبرى فى الحياة السياسية الامريكية.
وذكرت مجلة نيوز ويك الامريكية ان محاولة اغتيال ترامب الفاشلة تدق جرس الانذار المبكر من مخاطر زلزال سياسى عنيف يمكن ان يدمر ويقوض النظام الديمقراطى الامريكي.
كيندى وجه لايغيب
.. وقد شهد عام 1963 اغتيال الرئيس الامريكى الاسبق.. الشاب جون كيندى وهو فى سيارة مكشوفة يجوب فيها شوارع مدينة دالاس الامريكية وبجواره زوجته الجميلة جاكلين.. وقد فوجئت فى لحظة خاطفة بأن اجزاء من مخ ورأس زوجها تسقط بين يديها بعد ان اطلق القاتل رصاصات الغدر على جون كيندى فجأة.
.. وتوالت المفاجآت.. حين تعرض المجرم القاتل للقتل على الفور.. ومات وتم دفن اسرار اغتيال جون كيندى معه.. ولم تعرف امريكا من الذى يقف وراء اغتيال كيندى حتى اليوم.
.. وتكرر المشهد الرهيب مع دونالد ترامب.. مع الفارق الكبير فى ان رصاصات الغدر فشلت فى اغتيال دونالد ترامب.. لكن مرتكب الجريمة توماس كروكس تعرض للقتل على الفور برصاصة رجال الامن السرى المكلفين بحماية دونالد ترامب.. ومات توماس كروكس.. اخذ كل اسرار المحاولة الفاشلة لاغتيال ترامب معه. لا أحد يدرى ما هى دوافعه لارتكاب الجريمة.. او من الذين يقفون وراءه.
بلا إجابات
وبقيت اسئلة كبرى بلا اجابة فى واشنطن.. لماذا اطلق توماس ماثيو كروكس الرصاص على ترامب.. وما هى دوافعه وما هى نواياه؟!
كيف لشاب فى العشرين من العمر.. يستعد لدراسة الهندسة.. وهو متفوق فى دراسة العلوم والرياضيات.. وحصل على جائزة مالية 500 دولار.. ان يفكر فى ارتكاب جريمة قتل؟!
هذا الشاب الخجول.. الذى يميل للعزلة.. انهى مرحلة الدراسة الثانوية فى 2022.. وكان يحصل على درجات جيدة باستمرار.
لكن هذا الشاب الذى يبدو بسيطا.. وضع جهاز الامن السرى الامريكى المكلف بحماية الرئيس الامريكى وكبار الشخصيات فى موقف حرج.. واصبحت هناك شكوك قوية جدا فى قدرة هذا الجهاز على منع مثل هذه الجرائم الدموية.. ضد ترامب او اى شخصيات امريكية اخري.. ولا احد يدرى هل من حق توماس كروكس حمل السلاح أم لا؟!
ويقال ان توماس كروكس كان يتعرض احياناً لمضايقات من زملاء الدراسة بسبب ميله للعزلة وعدم الاختلاط.. رغم انه متفوق دراسياً.. وهو بكل الابعاد عبارة عن شاب مراهق هادئ الطباع متحفظ.. يعيش فيما يشبه العزلة.. وليس له مواقع على الانترنت فى الفيس بوك أو الانستجرام.
.. لا أحد يدرى حتى الآن ما الذى دفعه إلى التفكير والتخطيط.. والتنفيذ لاغتيال دونالد ترامب.
تقارير المباحث الفيدرالية الأمريكية تؤكد انه تصرف من تلقاء نفسه.. بلا تحريض من أحد.. لأنه طوال حياته لم تكن لديه دوافع سياسية.. وهو ينتمى للحزب الجمهوري.. وقد سبق له التبرع بمبلغ 15 دولاراً لصالح الحزب الديمقراطي.. بعد نجاح بايدن فى انتخابات الرئاسة الماضية.
وكان يعمل فى المطبخ الخاص بأحد بيوت رعاية المسنين والمحالين للمعاش.. هكذا تبقى دوافع كروكس لارتكابه هذه الجريمة لغزاً كبيراً يستعصى على الفهم.. فليس معروفاً عنه أنه له ميول أو اية اهتمامات سياسية واضحة.. وسجله على مواقع التواصل الاجتماعى لا يوجد فيه لغة التهديد والانتقام.. وليس له تاريخ لأية اغراض تؤكد انه مريض نفسي.
هكذا يبدو حتى الآن ان توماس كروكس تصرف من تلقاء نفسه حين حاول اغتيال ترامب.. لكنه ينضم فى النهاية لقائمة طويلة من الأمريكيين.. حملوا السلاح.. واطلقوا النار عشوائياً على المارة فى الشوارع وداخل الملاهى الليلية وفى الأسواق التجارية.. وداخل الكنائس وفى المدارس والجامعات.. وخلال الحفلات والمهرجانات.
فى النهاية كان كروكس على بعد سنتيمترات قليلة جداً من اغتيال دونالد ترامب الذى نجا من الموت بمعجزة.
حالة شائعة
ويقال حالياً فى واشنطن ان البعض يؤكد ان العنف السياسى ليس من الطبيعة الأمريكية.. لكن الواقع المرير يؤكد انه قد أصبح شائعاً.. وعلقت صحف امريكية كبرى على محاولة اغتيال ترامب الفاشلة.. قالت ان رصاصات معدودة انطلقت من بندقية شاب صغير حولت الامبراطورية الأمريكية إلى امبراطورية للفوضى والعنف السياسي.
بعد أقل من 24 ساعة من محاولة الاغتيال الفاشلة.. تحدث دونالد ترامب.. وقال للصحفيين: كان من المفترض الآن ان أكون ميتاً الرصاصة كادت تقتلنى لولا اننى ادرت وجهى فجأة لقراءة إحدى اللوحات القريبة.
المعجزة
قال الطبيب الذى أشرف على اسعاف ترامب ان الرئيس الامريكى السابق قد نجا من الموت بمعجزة حقيقية.. فقد اصابت الرصاصة الطائشة ترامب فى أعلى أذنه اليمني.
لذلك وقف ترامب امام المؤتمر الرسمى للحزب الجمهورى ليعلن انه لم يكن من المفترض ان يشارك فى هذا المؤتمر وانه كان من المفترض ان يكون فى عداد الموتي.. وتوجه ترامب بالشكر لرجال الأمن السرى الذين قتلوا المجرم وانقذوه من موت محقق.. وكان وجه ترامب ينزف دماء فى صورة مأساوية لن ينساها أحد.
وقال ترامب انه الحظ.. أو الله.. هو الذى جعلنى ابقى حياً حتى الآن.. وان أكون هنا معكم.. اتكلم والقى هذا الخطاب واكد ترامب ان الحادث المرعب لم يؤثر على سياساته وانه يريد دعوة الشعب الأمريكى للوحدة والتوحد.
وقال.. لست أدرى ما إذا كان ممكنًا أن يتوحد الشعب الأمريكى أم لا؟.. لكن الناس فى أمريكا تعانى الآن من الانقسام والتمزق الحاد والتوتر السياسى شديد العنف.
الهبوط بدرجة الحرارة
من جانبه لم يجد الرئيس الأمريكى جو بايدن ما يقوله سوى أن يوجه الدعوة لكل مواطن أمريكى من أجل العمل على تبريد درجة الحرارة السياسية داخل أمريكا.. بعد أن ارتفعت إلى درجة الغليان.. ومحاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب.
دعا بايدن الشعب الأمريكى أيضًا للوحدة والتوحد وأدان العنف السياسى وأكد أهمية الديمقراطية والحوار السلمى بين الخصوم فى الحياة السياسية الأمريكية.. وقال فى السياسة توجد أحزاب وخصوم سياسيين.. ولكن لا يوجد أعداء.. أو هذا هو ما ينبغى أن يكون.
ومن داخل المكتب البيضاوى بالبيت الأبيض.. توجه بايدن بخطاب إلى الشعب الأمريكى وإلى العالم أجمع.. ليلة الأحد الطويلة فى واشنطن.. فقد كانت 24 ساعة من الفوضى السوداء التى عاشتها أمريكا بعد فشل محاولة اغتيال ترامب.
وقال بايدن إن الأمريكيين يمكن أن يختلفوا سياسياً.. لكنهم ليسوا أعداء.. نحن جيران وأصدقاء وشركاء فى العمل ومواطنون.. والأهم من كل ذلك أننا إخوة أمريكيون.. يجب أن نبقى معاً.
انقسام وانفصال
وقد حذرت دراسات أكاديمية جادة جداً فى الجامعات الأمريكية من مخاطر واحتمالات تعرض الولايات المتحدة الأمريكية للانقسام والتفكك خلال المرحلة من 2035 وحتى 2050 وحذر بعض الخبراء من أن أمريكا قد تنقسم فعلاً إلى كيانين أو ثلاثة وربما أكثر خلال هذه المرحلة العاصفة من تاريخ أمريكا فى القرن الحادى والعشرين.
وقد تبدأ ولاية كاليفورنيا مسيرة الانقسام والانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية.. ولكن لا توجد نصوص فى الدستور الأمريكي.. تحدد طرق ووسائل انفصال الولايات الأمريكية عن الدولة الفيدرالية.. لا توجد آلية لذلك فى الدستور الأمريكي.
ويقول روبرت ليبرمان أستاذ العلوم السياسية بجامعة جون هوبكنز الأمريكية.. إن محاولة اغتيال ترامب الفاشلة هى المرة الأولى من أربعين عاماً.. التى يقوم فيها شخص ما بإطلاق النار على رئيس أمريكى حالى أو سابق.. لكن محاولة الاغتيال الفاشلة.. جاءت فى توقيت تصاعد فيه العنف الدموى والتوتر السياسى فى جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.
ومثل هذا الحادث الدموي.. سوف يؤثر بشدة على مسار الحملات الدعائية فى انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة فى 5 نوفمبر 2024.
ومن المؤكد أن هذا الحادث الدموى سوف يؤثر على المستقبل السياسى لأمريكا كلها.
حالة ضعف أمريكية
روبرت ليبرمان يشير الى إن التاريخ يؤكد ويشهد دائماً أن الديمقراطية الأمريكية كانت دائماً ضعيفة.. أو فى حالة ضعف مزمن.
وقد شهدت فترة وجود دونالد ترامب فى البيت الأبيض أسوأ مراحل الانقسام السياسى داخل أمريكا.. صحيح لم يحدث أن مرت أمريكا أو تعرضت لاختبار سياسى جاد مثل هذا الحادث.. لكن فى ليلة 13 يوليو 2024 شهدت أمريكا محاولة اغتيال ترامب شخصياً.. وهو حادث دموى حاد.
.. ويعود ليبرمان بالذاكرة الأمريكية إلى الوراء كثيراً إلى عام 1968.. بعد 5 سنوات فقط من حادث اغتيال الرئيس الأمريكى الشاب جون كيندي.
ففى هذا العام 1968.. تم اغتيال روبرت كيندي.. شقيق جون كيندى وكان مرشحاً للرئاسة عن الحزب الديمقراطى الأمريكي.. بعد أن تراجع الرئيس الأمريكى ليندون جونسون ورفض الترشح لفترة رئاسة ثانية.
.. وفى هذا العام التاريخى أيضاً تم اغتيال الزعيم الزنجى الأمريكى مارتن لوثر كينج.
من نيكسون إلى ترامب
اتخذت أجواء انتخابات الرئاسة الأمريكية فى 1968 مناخاً عاصفاً.. مع أنباء الهزائم الأمريكية اليومية فى حرب فيتنام.
.. ومرة أخرى تعيش أمريكا حالياً أجواء حملات انتخابات الرئاسة الأمريكية فى أجواء عاصفة متجددة.. اريقت فيها دماء الأبرياء وتعرض المرشح الرئاسى دونالد ترامب لمحاولة اغتيال فاشلة.
هكذا.. يخيم شبح العنف السياسى الحاد على أجواء انتخابات الرئاسة الأمريكية.. وعلى الحياة السياسية الأمريكية كلها.
وهناك درس مهم فى تجربة الاغتيالات السياسية الأمريكية فى عام 1968.. فقد ترشح هيبورت همفرى عن الحزب الديمقراطى بدلاً من المرشح الراحل ــ فجأة ــ روبرت كيندي. وفاز ريتشارد نيكسون بالرئاسة وتعرض همفرى للهزيمة.
.. ويعترف ليبرمان بأن ريتشارد نيكسون لم يكن هو الرئيس الذى تحتاجه أمريكا فى هذا التوقيت.. فلم يكن نيكسون بالشخصية التى يمكنها إعادة توحيد الشعب الأمريكي.. وحماية الولايات المتحدة من الانقسامات السياسية الحادة.. التى اشتعلت حول كل شيء.. بدءاً من حرب فيتنام إلى التمييز العنصري.
.. وبالتأكيد.. لن يكون ترامب.. هو الشخصية أو الرئيس الأمريكى القادر على إعادة توحيد أمريكا إذا فاز فى انتخابات الرئاسة القادمة.. بل إن أمريكا تعانى حالياً من أسوأ أعراض الانقسام والتمزق والاستقطاب السياسى فى تاريخها كله.
درجة الغليان
وقد وقعت محاولة اغتيال ترامب فى لحظة وصلت فيها حالة الغليان والانقسام السياسى فى أمريكا إلى درجة توشك على الانفجار.. أبعاد غير مسبوقة على الاطلاق.
.. ولم تعد اللعبة السياسية.. مجرد سباق إلى البيت الأبيض من خلال انتخابات الرئاسة.. فقد تحولت اللعبة الديمقراطية إلى معركة دموية.. وكل طرف يؤمن بأن فوز الطرف الآخر فى الانتخابات ينطوى على تهديد قاتل.. ليس فقط للقيم الأمريكية بل تهديد لوجود أمريكا.. كما اعتاد عليه المواطن الأمريكي.
.. ويؤكد ا لواقع السياسى المرير حالياً فى أمريكا أن أزمات الديمقراطية الأمريكية تأتى أولاً من الاستقطاب الحاد.. ثانياً من الصراع حول الانتماء السياسي.. ثالثاً هناك كارثة انعدام المساواة الاقتصادية الفادحة فى المجتمع الأمريكي، رابعاً هناك المبالغة الحادة فى قوة وقدرة السلطة التنفيذية للحكومة الفيدرالية.
فى هذه الأجواء الخانقة من الصعب التنبؤ بأى شيء.. لكننا نعرف أنه يوجد بين مؤيدى ترامب من يحملون السلاح ولديهم الرغبة فى اللجوء للسلاح والعنف فى أية لحظة.. وهناك مخاوف كبرى من احتمالات ومخاطر تزايد حدة التحريض السياسى على العنف فى حملة ترامب شخصياً.. وهذا قد يشعل الحرائق السياسية.. وليس فقط فى هجمات فردية متفرقة بالرصاص.. فقد تحدث أشكال أخرى من العنف الجماعى أو حتى أشكال جديدة من العنف المنظم.. تؤكد للخوف العظيم من حرب أهلية أمريكية جديدة.
لقد تحدثنا طويلاً عن الامبراطورية الأمريكية.. الأعظم والأقوى فى التاريخ.. وتحدثنا طويلاً عن امبراطورية الديمقراطية الأمريكية.. ولكن لا يجب أن ينتهى بنا الأمر.. كما يقول ليبرمان.. حيث نجد أنفسنا فى امبراطورية الاغتيالات الأمريكية!!
.. نعم يجب أن تكون محاولة اغتيال ترامب الفاشلة.. هى المشهد الأخير للعنف السياسى فى أمريكا.. الأمنيات لا تتحقق بالكلمات فقط.. ونحن نعيش فى مناخ سياسى أمريكى ملتهب بالصراعات الدموية.. لكن أمريكا.. إلى أين؟!