أنار القمر ليلها، وبدا كأنه اختارها دون غيرها للإقامة بها، لجمالها وخفة ظلها، يدور فى مسالكها ودروبها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها.
كان فى حجمه أكبر، وفى نوره أكثر وفى بهائه أوفر، يدعو الجميع إلى مجالس السهر والسمر، يقف فى عليائه فى ثوبه الفضي، ينشر النور وتعكس طلعته البهية على ماء البحر فى مشهد ينطق بالجلال والدلال والسحر.
الأطفال الصغار يلعبون ويركضون، والكبار يتشاورون ويتحدثون.. وتنام القرية وتستيقظ وسط هذا الجمال نور على نور.
بدت القرية الصغيرة كأنها واحة للشعر، نسجت خيوطها من الحرير الأخضر، طلب طفل صغير سلماً من أبيه ليأتى بالتمر من البحر.
قرية نشأت تقريباً فى مطلع القرن العشرين، كانت تابعة لمركز بلقاس، وبعدها شربين، بسيطة فى ترتيبها الجغرافى والسكاني، شوارع مستقيمة بين البحر والترعة بإنشاء الشارع الأوسط المجاور للجامع، نشأت من حوله القرية به بعض المنحنيات وإن اتخذ نفس المسار.
كانت دورها بالطوب اللبن حتى الخمسينيات، ونشأت قرية جديدة على الأرض الزراعية على الناحية الأخرى من الترعة مبنية بالطوب الأحمر والخرسانة، عدد منها له حدائق للأشجار المثمرة، يفوح العطر منها، تقيم بها مجموعة من العائلات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة تتبع محافظة الدقهلية واستحقت عن جدارة لقب رائدة الجهود الذاتية.
يعمل أهلها بالزراعة ويهتمون بالمحاصيل التقليدية.
وقفت إلى جانب أبنائها، وأيضا مع الغرباء الذين يحلون ضيوفاً عليها من هنا أو هناك.
بتعهد من تصيبه نوائب الدهر بالرعاية والعناية حتى تتحسن أحواله.
تمتد الخضرة أمامها وخلفها كأنها واحة فى الصحراء والأشجار فى كل مكان الكافور والصفصاف تتدلى أغصانها فى الماء وقوس قزح فى الشتاء يزين الأفق على جانبى السماء والبط والأوز تسبح على صفحة الماء.
تستيقظ القرية مع الفجر تصلى وتبدأ رحلة العمل فى الصباح الباكر حتى غروب الشمس وتعود من العمل بخيرات الأرض للإنسان والحيوان وتستعد لليوم الجديد.. رحلة شريفة تقوم على العمل والسعى والجد والاجتهاد.
تبدو المساحات الزراعية كأنها لوحة هندسية خطتها أصابع مهندس تخرج فى الجامعة الأمريكية.
مساحات متوازنة، وتنمو النباتات لتزين أرجاء اللوحة وجدرانها ويستمر الجمال والنمو وتتزايد إلى يوم الحصاد.
يسهر الناس فى الأجران بعد يوم العمل يتسامرون يأكلون ويشربون ويرون الأخبار والحكايات وتعلو الضحكات هادئة من القلوب، رغم الحياة الصعبة.