تعد أزمة غزة أحد المنعطفات السياسية الخطيرة التى تمر بها مصر والتى تحتاج بالفعل إلى التريث والحنكة والتمرس والخبرة الطويلة من المعارك السياسية والعسكرية على ضوء خصائص الصراع الفلسطينى الإسرائيلى .. لقد وصف»هنرى كيسنجر» منطقة الشرق الأوسط بإنها منطقة «شراك خداعية» إن لم تتوخى فيها الأقدام الحذر سرعان ما تنزلق إلى هوة سحيقة وأن أى صراع مهما صغر حجمه يسهل تدويلة .. ويعد ذلك الصراع أطول الصراعات عمراً فهو»صراع وجودي» بمعنى إنه أحادى الوجهة ولا بد وأن ينتهى بإختفاء أحد الطرفين لصالح الطرف الأخر ومن ثم تتطلب إدارته قدرا كبيرا من الحنكة والكياسة السياسية وأن يقدر للقدم قبل الخطو موضعها .. منذ فترة وجيزة صدر تحليل «جيوسياسي» «لويليام بيرنز» مدير المخابرات الأمريكية تم نشره بصحيفة «وول ستريت جورنال» يؤكد على أنه بالرغم من تلك المصالح الحيوية لمصر فى تأمين حدودها مع غزة إلا أن هناك العديد الديناميات الداخلية التى تفرض عليها التحرك بحذر شديد .. لقد أدركت مصر ما تفكر فيه إسرائيل وهو إعادة توطين سكان غزة فى سيناء وهو ما قوبل برفض شديد وحازم من قبل الحكومة المصرية إذ أن إسرائيل تريد إستغلال هذه الفرصة لنهو القضية الفلسطينة تماماً وتصديرها إلى مصر .. لقد أظهرت أحد الوثائق التى أعدتها وزارة «الإستخبارات الإسرائيلية» التى تم نشرها فى الصحف الإسرائيلية وكان من بين الإجراءات التى تضمنتها هذه الوثيقة هى نقل سكان غزة إلى شمال سيناء للإقامة فى مدن من الخيام يمكن أن تتطور فيما بعد إلى مستوطنات دائمة .. وكان من ضمن هذه الإجراءات عزل وفصل تلك المراكز السكانية الجديدة عن الحدود الإسرائيلية من خلال إقامة منطقة عازلة وقائية على الأراضى المصرية .. وتشير الوثيقة إلى الرفض الحاسم من «الرئيس السيسي» للمقترح قائلاً على إسرائيل بدلاً من ذلك تسكينهم فى «صحراء النقب»داخل حدودها إذا أرادت القيام بهذه المبادرة وهو ما دعى مدير مكتب «نتنياهو» إلى التصريح بأن ما جاء بهذه الوثيقة هو مجرد أفكار أولية.. وقد صرح»كاريل أورتن» المتخصص فى شئون الشرق الأوسط بأن ذكريات المستوطنات الإسرائيلية فى الحسابات المصرية يشأن الوضع فى غزة كانت ثانوية لأن مدتها كانت وجيزة للغاية وبدأت فى منتصف السبعينيات وإقتلعت فى 1982.. وقد دفع «ريان بول» المتخصص في»شئون الشرق الأوسط» بأن تلك الحساسية المفرطة حالياً بشأن إعادة توطين اللاجئين فى سيناء تنبع من الأهمية البالغة لنكبة 1948 لدى المصريين.. وإستطرد «ريان»فى حديثه لصحيفة «العربى الجديد» قائلاً هناك بالفعل مخاوف جدية إستناداً إلى الخبرة التاريخية تتمثل فى إستحالة عودة تلك التدفقات الكبيرة من الفلسطينيين إلى قطاع غزة بعد إحتلاله وإحتمال تسلل المسلحين وشن هجمات ضد إسرائيل .. كل ذلك يبين مدى حرجية الوضع وضرورة توخى الدقة والحذر من قبل القيادة السياسية وهو ما حدث بالفعل بالرغم من مشاعر الغضب لدى الجماهير وهو ما يتطلب المزيد من التوعية بمدى خطورة الموقف وضرورة التكاتف والمؤازرة لكى نعبر الأزمة والإفلات من ذلك الفخ الذى نصب بإحكام.