أسباب كثيرة دفعت الأوروبيين إلى انتخاب الأحزاب اليمينية المتطرفة حيث سجلت انتخابات البرلمان الأوروبى صعود تيار اليمين المتطرف فى عدد من الدول واستحوذت أحزاب اليمين المتطرف على غالبية المقاعد فى فرنسا وإيطاليا والمجر وهولندا وبلجيكا والنمسا وبولندا والبرتغال وحلت محل الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية والتيارات الوسطية وهو ما يعنى أن اليمين المتطرف هو من سيقود البرلمان الأوروبى خلال السنوات الخمس المقبلة وهى فترة الدورة البرلمانية الأوروبية.
واليمين المتطرف مصطلح سياسى يتم إطلاقه على الأحزاب السياسية التى تركز على السلطة والنظام والواجب والتقاليد والرجعية والقومية وهذه الأحزاب لديها تمسك متطرف بالقيم الوطنية وبالهوية السياسية والثقافية ومن أشهر أحزاب اليمين المتطرف فى أوروبا «الجبهة الوطنية» بفرنسا المعادية للأجانب وحزب الوسط الديمقراطى فى سويسرا وحركة «بيجيدا» الألمانية وهى أحزاب تمثل الأيديولوجيات الوطنية المنهزمة فى الحرب العالمية الثانية مثل النازية والفاشية وهى تيارات عنصرية تعتمد اعتمادا شديدا على العرق ولديها ايديولوجية فى التعامل مع الغير وتصنيفه ويتميز اليمين المتطرف فى أوروبا بالعداء الشديد لليهود.
وكما سبق وذكرت فى بداية المقال هناك أسباب كثيرة دفعت الأوروبيين للارتماء فى أحضان اليمين المتطرف أهمها تأزم الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة والتضخم المستمر فى أسعار الغذاء والطاقة والعقارات وزيادة شرائح الضرائب فى معظم دول أوروبا خاصة فى فرنسا وألمانيا بسبب تورطهما ماليا وعسكريا فى دعم أوكرانيا فى حربها مع روسيا وهى الحرب التى زادت من أعباء دافع الضرائب الأوروبي.. كما أن تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين دفع الناخب الأوروبى لاختيار اليمين المتطرف المعروف بتشدده ضد اللاجئين والأجانب وذوى الأصول غير الأوروبية باعتبارهم يستحوذون على فرص عمل متزايدة بينما يعانى ملايين الأوروبيين من البطالة.
إن صعود اليمين المتطرف فى انتخابات البرلمان الأوروبى كشف تراجع شعبية الأحزاب التقليدية حيث تواجه التحالفات والتكتلات الحاكمة الآن فى معظم دول الاتحاد الأوروبى استقطابات وانقسامات حول العديد من القضايا الداخلية والدولية حيث يشهد التحالف الحاكم فى ألمانيا مثلا خلافات سياسية حول فكرة البقاء فى الاتحاد الأوروبى وحول الحرب الروسية– الأوكرانية وإمكانية التفاوض مع روسيا ونفس الأمر يتكرر فى فرنسا ولذلك نجح اليمين المتطرف فى الصعود من خلال خطاباته الداعمة للنزعة القومية ولفكرة «الوطن أولا» والتركيز على المصالح الداخلية للشعوب على حساب أوروبا ككل والبقاء بعيدا عن الحرب الروسية– الأوكرانية التى هى من وجهة نظرهم السبب فى تخريب اقتصاد أوروبا.
وفى الواقع لم يكن مفاجئا صعود اليمين المتطرف فى انتخابات البرلمان الأوروبى لكن المفاجأة سببها النجاح الساحق الذى حققه على حساب أحزاب وتحالفات تقليدية ذات ثقل سياسى ليبقى السؤال:إلى أى مدى سيؤثر ذلك على سياسة أوروبا وتعاملها مع القضايا الدولية فى السنوات الخمس المقبلة؟..هل سيتوقف مثلا الدعم الأوروبى لأوكرانيا؟.. وهل تتغير السياسة الأوروبية تجاه إسرائيل؟.. فلننتظر لنري.