يبدو هذا السؤال سخيفاً ويحمل قدراً من التندر والسخرية، لكن الحقيقة أننى أبحث عن إجابته المجردة النابعة من رؤى المفكرين المتخصصين ومتابعاتهم الدقيقة لكل ما يرتبط بأنظمة الحكم فى العالم ليس الآن فقط وإنما عبر التاريخ ، ربما أكون قد وضعت يدى على بعض الثوابت التى لا يختلف حولها وعليها الكثيرون ويمكن إجمالها فيه النقاط التالية – لا يوجد نظام حكم واحد ثابت معد مسبقا ومكتوب خطواته وتفاصيله يصلح لجميع الدول وجميع الأزمنة وجميع المجتمعات – كل الأنظمة تهدف – حتى لو بشكل نظرى – إلى تحقيق الرفاهة الاجتماعية والاقتصادية لشعوبها –، لكن السؤال الذى يحتاج اجابات واضحة هل نجحت فكرة الديمقراطية كما كان يتمناها الآباء المؤسسون؟ هل استقرت الديمقراطية كفكرة فى وجدان الشعوب وترسخت فى المجتمعات الغربية المتقدمة؟ هل كانت الديمقراطية جسرا تم العبور عليه للوصول الى التقدم؟ هل الديمقراطية – بمفهومها الغربى – شرط أساسى للتقدم والنجاح؟ والسؤال الإجبارى هل مصطلح الديمقراطية يسير جنبا إلى جنب مع مصطلحات الأخلاق الحميدة كالصدق والوفاء على سبيل المثال؟ أم أنها فكرة بشرية نجحت وتعثرت وفشلت وعادت ورحلت وغابت بحسب العديد من العوامل المؤثرة، فإذا نظرنا إلى الديمقراطية الأمريكية وما أفرزته الآن من صراع «غير ديمقراطي» بين بايدن وترامب، وإذا أمعنا النظر فى تصريحات كلاهما فى قضايا مفصلية وجودية وتهديدات كل منهما للآخر ووقوف المجتمع الأمريكى عاجزاً عن تصديق ما يجرى أمامه سنعرف مآلات الديمقراطية الأمريكية، فى نفس الوقت إذا أدرنا وجهنا شطر اوروبا لنتابع مسارات الديمقراطية سنجدها تترنح على مقصلة اليمين واليمين المتطرف وأخيراً اليسار، حينما نرى الديمقراطية الغربية فى الواقع ونقارنها بما قرأناه وتخيلناه سنجد أنفسنا بعيدين عن الواقع، على الجانب الآخر من النهر نجد تجارب وأنظمة حكم أخرى ناجحة وعادلة ونابعة من اختيارات الشعوب، فالتجربة الصينية والهندية وبعض التجارب العربية حققت نفس الأهداف التى كان ينادى بها مخترعو النظرية الديمقراطية دون أن تتورط هذه الدول فى السقوط فى مستنقع مخلفات الديمقراطية أو عادمها الملوث للأخلاق والطبائع الإنسانية ، اكتب هذا المقال وانا فى العاصمة الأمريكية فى مهمة عمل وتابعت على مدار أسبوع كامل كل تفاصيل الحياة وسلوكيات البشر والتفاعلات بين البيض والملونين والسكان الأصليين والمهاجرين وكيف ينظر المواطن الأمريكى إلى حكامه والى أحزابه والى سياسييه ونخبه، ويبقى سؤال أساسى اطرحه لأفتح بابا للمناقشة وهو ما هى مكونات عناصر التقدم وعلاقة أنظمة الحكم بصناعة التقدم مع اجراء المقارنة البحثية بين أمريكا والصين ونكمل غداً.