هل تستطيع مصر أن توطِّن صناعة التقدم وتعمقها وتصنَّع منها قيمة حضارية مضافة بحق؟ هل يمكن أن يصنع هذا الجيل المعجزة ويفكك المعضلات التاريخية التى وقفت حائلا أمام الوصول إلى مرحلة التقدم الحقيقى التى نقرأ عنها فى كتب الطموحات الأفلاطونية؟ بيد أننا واجهنا الكثير من التحديات وكلما انتهينا وتجاوزنا تحديا ظهر أمامنا تحد جديد حتى أصبحنا نطلق على أنفسنا «جيل التحديات» تندرا على حظوظنا المعاكسة، فعند تجاوزنا لمرحلة الفوضى أعدنا هيبة الدولة وبدأنا ننطلق وجدنا الارهاب متربصا بنا فدخلنا فى حرب طويلة ضروس، وما ان انتهينا من هذا الغول حتى ظهرت أمامنا الجائحة بكل تفاصيلها وأوقفت كل مشروعاتنا حتى وصلنا إلى مرحلة ما قبل الشلل، وعندما انتهت شمرنا عن سواعدنا لنعيد الانطلاق مجددا فاندلعت الحرب الروسية- الاوكرانية وما تبعها من أزمات فى السياحة والطاقة والغذاء وسلاسل الامداد ثم انطلقت حرب غزة متزامنة لتغلق معها الآفاق التى كانت مفتوحة مثل حركة الملاحة فى البحر الأحمر وتزامن هذا أيضاً مع اندلاع الحرب فى السودان وزيادة التوتر فى ليبيا ولبنان وكل هذا أثر سلبا على محاولات مصر إتمام مشروعها الوطنى الذى كان يهدف إلى صناعة التقدم بمعناه الحقيقى وهو خلق حالة من الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية المبنية على إعادة بناء الإنسان علميا وتعليميا وصحيا وثقافيا، كل هذه الخطط تعطلت وسط تلك التحديات الجيوسياسية والاقتصادية ولكن هل تبدد حلم التقدم؟ هل ابتلعت التحديات كل الفرص أم أن الفرص يمكنها طحن التحديات وامتصاصها وتحويلها إلى نجاحات، لا أريد أن استغرق فى الكتابة البيانية لصناعة حالة من الحماسة أو للتفاؤل فهذه ليست بوصلة تصل بنا إلى الهدف، فنحن ليس لدينا من أهداف إلا تقدم حقيقى فى هذا الوطن الذى يستحق أن يكون فى مكان آخر، لكن الوصول إلى هذا المكان الآخر ليس بالتمنيات أو الدعوات أو معسول الكلمات، التقدم صناعة شديدة التعقيد لكنها ليست مستحيلة فى ذات الوقت، الأسئلة تبدو بديهية وبسيطة وضحلة كذلك فعندما تسأل أى خبير أو حتى مواطن عادى هذا السؤال، هل مصر قادرة على صناعة التقدم؟ ستكون الإجابة بنعم تستطيع! ولكن الأهم هو كيف السبيل إلى هذه الأحلام المؤجلة؟ هناك حكومة تحاول وخبراء يتحدثون وقطاع خاص يترقب وشعب ينتظر، لكن المهم الآن كيف نبنى الثقة التى تهدمت أو أصابها الضرر فى أوقات سابقة بين الدولة والقطاع الخاص؟ كيف نغير مفهومنا عن التعليم بأنه بغرض الحصول على شهادة وفقط ونصل به إلى فكرة المعارف الحقيقة؟