عندما وقَّع الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان وثيقة الاخوة الانسانية فى الرابع من فبراير 2019 بالعاصمة الإماراتية أبو ظبى وطالعت بنودها.. تفاءلت كثيرا.. وقلت آن الأوان لإعلاء إنسانية البشر على جنسيتهم.. وعلى لونهم ودينهم.. وحان الوقت لتفعيل الحوار والتعايش والتآخى والود والتواصل بين البشر.. والتصدى للتعصب والتطرف والتمييز.. وان انقاذ البشرية فى العودة للإنسانية.. فعندما خلق الله الانسان لم تكن هناك جنسية ولا هوية.. لا أمريكاني.. ولا روسي.. ولا تايواني.. وانما كان هناك انسان.. ولو تعامل البشر.. وتعامل الانسان مع أخيه الانسان فى سائر البلدان والأوطان بالانسانية التى فطر الله الناس عليها.. ما وجدت هناك شريدا ولا جائعا.. ولا مهجرا.. ولا بائسا.. ولا فقيرا.. ولو فكر الانسان فى أخيه الانسان.. ما أطلق رصاصة ولا ألقى قنبلة.. ولا أطلق فيروسا.. ولا شرد شعبا.. ولا حول دولة إلى أطلال.. ولا دمر عمارا أو خرب ديارا.
قمة المأساة التى يعانى منها الملايين على ظهر المعمورة هى عداء الإنسان لأخيه الإنسان باسم الأوطان والأديان.
والحقيقة ان الارهاصات التى سبقت توقيع الوثيقة كانت توحى بالجدية والبحث عن نقطة التقاء حقيقية لنشر السلام العالمي.. وهذه الوثيقة ببنودها تشكل القاعدة الأهم فى تاريخ العلاقات بين الأزهر والفاتيكان وجسدت الصورة النموذجية فى علاقات المؤسستين والديانتين الاسلامية والمسيحية.. وهى نتاج عمل مشترك وحوار متواصل استمر حوالى 20 شهرا من التواصل والعمل بين الأزهر والفاتيكان.. وتحمل رؤية لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين اتباع الأديان والدور الذى يجب أن يقوم به رجل الدين فى عصرنا الحالى والإنسان السوى بصفة عامة والمؤمن المتدين الحق لابد أن يرى فى الآخر أخاً له.. يحسن إليه ويوده ويعامله بما يحب أن يعامله به الآخرون ويحب له ما يحب لنفسه.. انطلاقا من الايمان الحقيقى بالله الذى خلق الناس جميعا وخلق الكون والخلائق وسوى بينهم برحمته.. والمؤمن الحق هو الإنسان الذى يتعامل مع أخيه الانسان بإنسانيته قبل جنسيته وقبل لونه ودينه وهويته فهو أولاً وأخيرا اخوه الانسان.. والذى يطالع الوثيقة يجد فيها ما دعانى إلى التفاؤل فكانت بداية الوثيقة: «بسم الله الذى خلق البشر جميعا متساوين فى الحقوق والواجبات والكرامة ودعاهم للعيش كأخوة فيما بينهم لإعمار الأرض ونشر قيم الخير والمحبة والسلام باسم النفس البشرية الطاهرة التى حرم الله ازهاقها وأخبر انه من جنى على نفس واحدة فكأنه جنى على البشرية جمعاء ومن أحيا نفسا واحدة فكأنما أحيا الناس جميعا..
باسم الفقراء والبؤساء والمحرومين والمهمشين الذين أمر الله بالإحسان إليهم ومد يد العون للتخفيف عنهم فرضا على كل إنسان لاسيما كل مقتدر وميسور.
باسم الأيتام والأرامل والمهجرين والنازحين من ديارهم وأوطانهم وكل ضحايا الحروب والاضطهاد والظلم المستضعفين والخائفين والأسرى والمعذبين فى الأرض.
باسم الشعوب التى فقدت الأمن والسلام والتعايش وحل بها الخراب والدمار والتناحر.
باسم الاخوة الانسانية التى تجمع البشر جميعا وتوحدهم وتسوى بينهم.
باسم تلك الاخوة التى أرهقتها سياسات التعصب والتفرقة التى تعبث بمصائر الشعوب والأمم ومقدراتهم وأنظمة التربح الأعمى والتوجهات الايديولوجية البغيضة باسم الحرية التى وهبها الله لكل البشر وفطرهم عليها وميزهم بها.
باسم العدل والرحمة أساس الملك وجوهر الصلاح، باسم كل الأشخاص ذوى الإرادة الصالحة فى كل بقاع المسكونة.
باسم الله وباسم كل ما سبق يعلن الأزهر ومن حوله المسلمون فى مشارق الأرض وفى مغاربها والكنيسة الكاثوليكية ومن حولها الكاثوليك فى الشرق والغرب تبنى ثقافة الحوار درباً والتعاون المشترك سبيلاً والتعارف المتبادل نهجا وطريقا.
>>>
هذه الوثيقة يجب أن تكون منهاج عمل لكل الأوطان وكل البلدان.. ليحيا البشر فى حب وأمان فأين هى وأين المجتمع الدولى الذى رحب بها وتعهد بتنفيذها، أين بنود الوثيقة مما يحدث من الاحتلال الاسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية.