يعلم الكيان الاسرائيلى بجميع فئاته وأفراده وطوائفه أنه كيان دخيل غير متجانس مع التاريخ أو الجغرافيا وأنه تم فرضه وزرعه فى ظروف معينة حدثت فى القرن الماضى.
فى ذاك الوقت استقدم الاستعمار البريطانى عشرات الآلاف من اليهود من كل دول العالم ليستعيد أفكارا مزعومة حول عودة اليهود لأرض الميعاد ، وتحت هذه الفكرة منح المستعمر العصابات اليهودية تأشيرة القتل ضد الشعب الفلسطينى وطرد مئات الآلاف فى ذلك الوقت من المدن والقرى العربية ليقيم فيها اليهود الصهاينة مستعمرات يعيشون فيها وينشئوا دولة غير متجانسة ومعزولة عن جيرانها.. كل ذلك حدث فى وقت كان الجهل والتخلف والضعف يسيطر على العالم العربى.
فالدعم المنافى للقانون الدولى وحقوق الانسان للكيان الاسرائيلى من جانب قادة دول كبرى فى الغرب بدأت تفرز ثمارها الآن، وتداعت بسببها أحزاب سياسية يمينية من الحكم والقيادة فى بريطانيا وفرنسا وإسبانيا تجاه تيار اليسار الرافض لدعم أكبر عملية إبادة جماعية فى القرن العشرين ضد الشعب الفلسطيني، فسقط ريتشى سوناك سقوطا غير مسبوق فى تاريخ الانتخابات البريطانية وحصل على أسوأ نتيجة لحزب المحافظين من 190 عاما وكذلك سقط حزب ماكرون فى انتخابات البرلمان الفرنسى وقريبا سيسقط الجالس فى البيت الابيض الأمريكى الداعم الأول للكيان الإسرائيلى فى جريمة الإبادة الجماعية.
فالعالم تغير والقضية الفلسطينية عادت الى الواجهة من جديد ولم يعد الرأى العام الغربى منحازا إلى وجهة نظر الكيان الإسرائيلى بل أن أغلب الشباب فى الغرب أصبح مع الشعب الفلسطينى قلبا وقالبا من هول ما يراه من مشاهد القتل والتدمير، فالشعب الفلسطينى لاشك كسب حربه السياسية رغم الثمن الباهظ من الشهداء والتدمير الشامل لقطاع غزة بعد أن فضح الانظمة السياسية التى تتحدث وتتشدق بمفاهيم الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان.
خلال تلك السنين العجاف من القهر والقتل والطرد واللجوء نشأ جيل صلب تمسك بالارض ولم يتمسك بالحياة فأسس مجموعات للمقاومة تدافع عن وجودها وأهلها وشعبها وللمرة الأولى يسقط جيش الكيان الاسرائيلى بمثل هذا السقوط ويستشعر أن نهايته تقترب لحظة بلحظة مع تنامى المقاومة وترسخها فى عقول وقلوب أبناء الشعب الفلسطيني، وامتداد الحرب كل هذا الوقت وسقوط كل هذا العدد من القتلى والمصابين بالآلاف بعد أن كان يضرب ضربته فى أيام أو ربما ساعات يسقط فيها دولا ويدمر خلالها جيوشا نظامية محترفة، وهذا ما يجعله يموت رعبا من فكرة استمرار وجود حركة المقاومة حماس على أرض غزة، متجاهلا أن الأشخاص يموتون ولكن الأفكار تستمر وتتربي.