يظل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذجاً فريداً يحتفظ بتفرده وتميزه على كل ماعرفه التاريخ القريب والبعيد من نماذج..ولاتزال شخصياتهم تحتفظ بقوة الإبهار والدهشة فيما قدمته من مستويات بالغة الرقي في العطاء والتضحية وإنكار الذات والإخلاص للمباديء والقواعد الراسخة التى ارساها النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع شروعه في بناء الدولة الإسلامية الجديدة وتوطيد أركانها..
لم تكن المسائل عفوية في الإقبال على رسول الله والارتباط به والقرب منه ولاحتى فيمن يعرضون أنفسهم على الرسول ومن يقدمون خدماتهم ومن يكلفهم الرسول بمهام معينة من أجل خدمة دين الله ونشر دعوة الخير للإنسانية جمعاء.
اعتقد انها كانت صناعة دقيقة وثقيلة وهكذا دائما صناعة الرجال كل شيء بمقدار وبميزان حساس ولعلها كانت الرسالة الاقوى من النبي عندما تلقى الإشارة فاصدع بما تؤمر..معها بدأت قضية صناعة الرجال وإعدادهم للمهام السامية والمشوار الطويل والصعب في مواجهة قوى الطغيان والظلم والهمجية وكل ما له علاقة بعالم اللامعقول في مجتمعات تعيش في هوة سحيقة تحت خط اللإنسانية المهدرة والجاهلية الجهول المجافية والمعادية لكل صنوف المعقول..
لعل اولي الخطوات العملية والحقيقية الموسعة في صناعة الصحابة وعلى نطاق المجتمع وبشكل جمعي بدأت مع نسائم الهجرة.. في تقرير من يرافق الرسول في الهجرة ومن يبقى في مكة وماذا يفعل وفيما حدث مع المهاجرين والأنصار وما عرف بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بين القادمين من مكة والوافدين على يثرب.. وهي الدعوة التى لم تأخذ حظها من الدراسة والفحص والتمحيص واستقراء ما بها وتقديمها للعالم كواحدة من دعائم وركائز بناء المجتمعات والتأكيد على أهمية تحقيق الاستقرار للدولة الاستقرار الشامل اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ونفسيا وهي قضايا لا يمكن لأي فكر تنموي أن يتجاهلها أو يغض الطرف عنها..
لقد نجح النبي في خلق حالة من الترابط والارتباط العملي في مجتمع المدينة بين جميع الأفراد والاطياف بين الأغنياء والفقراء بين المحبين للإسلام والمتوجسين منه خيفة وحتى المتربصين والمعترضين بحيث تظهر صورة المجتمع الإسلامي في أزهى وأكمل حالاتها ..وهذه الخطوات يمكن اعتبارها بمثابة المناعة والحصانة القوية للمجتمع في وجه تحديات كثيرة ولعلها تفسر لماذا لم يحدث صراع طبقات في المجتمع الإسلامي ولماذا يقف الأغنياء والفقراء في صف واحد لدعم الدعوة ورسالة الإسلام..أنها الإخوة بين المؤمنين والتكافل بينهم كم يظهران في تشريع ودستور المدينة كما يقول د.اكرم ضياء العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة.
للأسف الجميع يتوقف عند حدود الوقائع ويعرض للأمر على أنه مجرد قصة مبهرة أو حدوتة ظريفة دون الغوص في الاعماق والدلالات خاصة أن الأمور تجرى في مجتمع متعدد الاعراق والأعراف والمصالح الاقتصادية وغيرها.صحيح الكثرة مرحبة بالوجود الاسلامي القادم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن هناك فئات أخرى متربصة تكتم غيظها من اليهود.. وهم كانوا على أنواع أو درجات لم يكونوا على قلب رجل واحد ثم إنهم لا يمكن أن يتخلوا عما عرفوا به من مكر وخداع ودسائس..
وهنا نشير إلى أن بعضا من اليهود وفدوا إلى المدينة خصيصاً ليتأكدوا من علامات النبوة ومن أن الرسول هو المقصود بما جاء عندهم في التوراة ومن هؤلاء من جاء مستعدا للإيمان صادقا ومنهم من جاء خائفا على ملك يهود ومكانتهم بعد ظهور النبي الجديد..
صناعة الرجال في مجتمع المدينة ظلت مستمرة وبقوة بإشراف ورعاية نبوية كريمة وبمشاركة كل الحكماء وأصحاب الرأي المشهود لهم بالكفاءة وكم مرة قرأنا وسمعنا نداءات النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف عدة أشيروا عليّ ايها الناس.. أشيروا عليّ ايها الأنصار أشيروا علي ايها المهاجرين.. وفي كل مرة يقوم حكيمهم يتكلم ويدلي بدلوه والرسول يسمع وهو المعصوم بالوحي من السماء ومع ذلك كان يسمع لمن يقول له من صحابته في وقت الشدة والحرب عن تصرف ما :امنزل انزلك الله إياه ام هو الحرب والرأي والمشورة؟! فيجيب النبي بكل أريحية بل الرأي والمشورة..
والحديث موصول عن صناعة خير الصحبة وأفضل الاصحاب..
والله المستعان..