جهود مصرية «واسعة» لتحقيق الهدنة وحقن دماء الفلسطينيين
إسرائيل فى حالة انكسار.. والسلطة الفلسطينية تحتاج إعادة الهيكلة
المقاومة لن تنتهى.. والحرب على لبنان «مكُلفة»
أكد الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية – نائب رئيس المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط والخبير السياسى، ان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة باتت «قاب قوسين أو أدنى»» من التوقف وانتهاء العمليات العسكرية ضد المدنيين العزل فى الأراضى الفلسطينية بعد 9 أشهر من الخراب والدمار الذى طال كل شيء فى قطاع غزة من حصد لأرواح الشهداء وتدمير البنية التحتية والمرافق العامة الخاصة للمواطنين.
أضاف د.طارق فى حوار لـ«الجمهورية الأسبوعى» أن الجهود المصرية بالتنسيق مع الأشقاء فى قطر والمسئولين فى الإدارة الأمريكية تقترب الآن من تحقيق الهدنة ووقف القتال، وان الأيام القليلة المقبلة ستشهد حراكاً دبلوماسياً وسياسياً للتوصل إلى التوافق المطلوب لإنهاء الازمة والبدء فى عملية واسعة لإنفاذ المساعدات الإنسانية، وتقديم الرعاية الطبية للمرضى والجرحى ثم ملف إعادة الاعمار الذى سيستمر لعقود طويلة.. وإلى تفاصيل الحوار:
> إلى أى مدى يمكن تقييم ما وصلت إليه المفاوضات؟
>> فى البداية لابد ان نشير لعدة نقاط أولها ان مصر تبذل جهوداً جبارة تفوق ما يتحمله البشر والوفد الأمنى المصرى لديه خبرة وإمكانيات هائلة فى التفاوض لا تتوافر فى أى مفاوض آخر مع احترامى للجميع، ومصر صاغت مبادرة كاملة ومقترحات تتضمن عدة مراحل قادرة على تحقيق الهدوء والاستقرار للمنطقة وانهاء الحرب وحقن دماء الأبرياء، مؤكداً ان القاهرة تواصل جهودها ومستمرة فيها إلى ان تتحقق الهدنة والوفد الأمنى المصرى يواصل جهوده من الدوحة إلى القاهرة من أجل وقف الحرب، وهذا جهد خارق لكن يقوم به أصحاب خبرة كبيرة، وأعتقد أننا نقترب من التوصل إلى هدنة، والأيام القادمة ستشهد تحركات دبلوماسية وسياسية كبيرة فى هذا الاتجاه، والأوضاع تؤكد أننا قريبون من الاتفاق، أى اننى استطتيع اعتبار أن الحرب قد تكون فى مرحلتها أو أيامها الأخيرة.
> إسرائيل تكرر كثيراً مصطلح «اليوم التالى».. فى رأيك ماذا تعنى بذلك؟
>> مصطلح «اليوم التالى» خرافة، لأن إسرائيل بدأت اليوم التالى بالفعل عن طريق الترتيبات الأمنية والعسكرية فى عمق القطاع، وشطرت القطاع بالكامل، وما لم يعلن هو ان الترتيبات الأمنية أصبحت مرتبطة بعدة نقاط أولها ان مساحة القطاع تم تقليصها ككتلة سكانية وكتلة ديموغرافية، ثانياً تم شطر القطاع إلى كونتونات وبلوكات متعددة بين 14 إلى 16 وحدة إدارية لحكم القطاع، اما النقطة الثالثة فهى إقامة إسرائيل لممرين الأول هو ممر نتساريم، والآخر هو ممر ديفيد وتم الانتهاء منه قبل أيام وسيبدأ تشغيله قريباًَ بصورة كاملة، وهذا معناه ان ما تقوم به إسرائيل من ترتيبات أمنية من جانب واحد دون ان تشارك أى طرف آخر، وفى اعتقادى حتى لو استقرت الأوضاع، ستستمر إسرائيل فى فرض الترتيبات الأمنية والقيام بعمليات نوعية فى عمق القطاع إذا اقتضت الضرورة «فى حال وجود المحتجزين أو وجود عناصر من حماس» أى أن العمليات ستستمر فى مناطق مختارة وفق المعلومات المتوفرة لأجهزة المخابرات التى تتعاون معهم، لكن حجم النيران سيقل، المواجهات فى الداخل ستقل، سيتم سحب القوة 99 والقوة 162 و405 ولواء جولاني، لكن بعضها سيقف فى مناطق التماس خارج المدن تجنباً لعودة عناصر حماس مرة أخري.
> بعض الآراء تتحدث بان إسرائيل ستخفض حدة الحرب فى غزة لأنها ستتجه شمالاً نحو لبنان.. هل تتفق مع ذلك؟
>> الحقيقة ان الطرفين لا يريدان الحرب، فحزب الله يريد فقط الابقاء على قواعد الاشتباك، بمعنى إذا توقفت حرب غزة توقف تهديدات حزب الله فى الشمال، اما إسرائيل فمنقسمة لرؤيتين، الأولى ان نتنياهو يريد الحرب ويدعمه جالانت وزير الدفاع وبعض القيادات العسكرية التى تولت حديثاً بعض المناصب مثل رئيس الشعبة العسكرية، قائد المنطقة الجنوبية، وهؤلاء لم يبنوا بعد تاريخاً عسكرياً ويريدون بنائه فى حرب، اما الرأى الآخر وهو الأغلب فإن المؤسسة الدينية والقطاع المدني، والأمن الداخلى «الشاباك»، والاستخبارات العسكرية وغيرها كلها لا تريد الحرب لكنها تريد حسم القرار النهائى قبل مطلع سبتمبر لأنه الموعد الذى ستعود فيه الدراسة بالمدارس والجامعات فى شمال إسرائيل، كما ان المستوطنين يريدون العودة إلى بيوتهم، فهم ما بين خيارين اما حرب مكلفة واما إعادة السكان وعودة الحياة لطبيعتها.
بشكل عام فإن قواعد الاشتباك بين الطرفين تتغير على الأرض الطرفين تبنوا إستراتيجية فى العلوم العسكرية بعنوان الردع والردع المقابل، ولكن ارى ان إسرائيل ليست مستعدة حالياً لمثل هذه الحرب، لأن حزب الله لديها قدرات عسكرية أكبر من حماس، وإسرائيل تدرك انها لن تذهب إلى نزهة خلوية وستتكلف خلال الحرب الكثير لأن لبنان ليس كغزة، فلبنان بالنسبة لإسرائيل مستنقع لن يكون سهلاً خاصة أن قدرات حزب الله زادت وأصبحت خطرة للغاية.
> ماذا عن شكل الإقليم بعد انتهاء الحرب؟
>> فى تقديرى سيكون الشكل مرتبطاً بهندسة المشهد القادم، فمن حرب غزة إلى لبنان، هناك إقليم جديد يتشكل، وأصبحت غزة ترمومتراً لما هو قادم فى تشكيل المنطقة، ويمكن القول إن غزة أصبحت شأناً دولياً، فهى ستدخل فى مشروعات إعادة الاعمار التى ستشترك فيها قوى دولية عدة، خاصة أن الاعمار يحتاج من 40 إلى 45 سنة، ويكفى ان نقول إن إزالة الركام عن القطاع سيأخذ على الأقل عشر سنوات لأن القطاع تهدم بالكامل، آخر الاحصائيات قبل أيام تحدثت عن 80 ألف منزل، وحجم تكلفة إعادة الإعمار يصل إلى 200 مليار وهو مبلغ حتى الآن غير متوفر.
والحقيقه ان شكل الإقليم سيتغير لأن إسرائيل ستكون قوة احتلال موجودة.. ليصبح السؤال من سيدير؟
هناك عدة مقترحات منها نشر قوات متعددة الجنسيات، أو قوة أوروبية أمريكية- إسرائيلية، وهناك مقترح آخر يتعلق بالسلطة الفلسطينية ولكن بالوضع الحالي، لابد لكى تدير السلطة ان تمر بمرحلة انتقالية يحكمها عشائر وقبائل ومؤسسات مجتمع مدني، لكن هذه الفكرة هى فكرة إسرائيلية خبيثه قد تؤدى إلى حرب أهلية فلسطينية.
> فى رأيك ما أهم النتائج التى ستخرج بها إسرائيل من الحرب؟
>> إسرائيل ستبحث عن مزيد من التأمين لنفسها فى الإقليم وستخرج بعد الحرب بقضايا جديدة لم تتحدث عنها من قبل، خاصة فيما يتعلق بنظريات الأمن القومى الجديدة، لتحقيق مزيد من التأمين لمنظومة دفاعاتها الخمس القائمة بالفعل ومنها القبة الحديدية ومنظومة الليزر والسماء الحمراء وغيرها، وستلجأ إلى ضرورة تغيير العقيدة القتاليه لقواتها، حيث لم تعد كلمات مثل الاذرع الطويلة واليد الممتدة وغيرها مؤثرة كالسابق، كما ان الفصائل بدون الدول، أصبحت هى التى تغير المعادلة كليا على الأرض وليست الجيوش النظامية، وكبار قادة إسرائيل الآن يعرفون انهم لم يخوضوا حرباً بالشكل المعروف منذ حرب السادس من أكتوبر، وطوال السنوات الماضية فهى تواجه فصائل وميليشيات غير نظامية.
على الصعيد الداخلى اعتقد ان إسرائيل ستخرج من الحرب بحالة انكسار واطلاق «لجنة إجراءات» قد تكون شبيهة بتلك التى شهدتها بعد حرب أكتوبر 73 لأن هناك بالفعل تحقيقات موسعة جرت، وهناك قيادات قدمت استقالتها، وأخرى اعفيت من مناصبها، لأن هناك تقصيرا حدث والأجهزة تحاول استعادة مكانتها، ولذلك نرى هناك وفرة قوة تستخدمها إسرائيل فى الضفة والشمال مع حزب الله لاستعادة مكانتها.
> كيف تأثرت حماس بالحرب خلال الفترة الماضية؟
>> رغم تضارب المعلومات، لكن يمكن القول ان حماس خسرت 60 ٪ من قوتها العسكرية على الأرض، ورغم ذلك فالمقاومة لن تنتهى وستظل قائمة وموجودة، لأن حماس لا تزال موجودة فى الضفة والأقاليم والخارج وعدة مناطق وبالتالى فالحديث عن انهاء حماس هزيان، فالحديث فقط يرتبط بمن سيحكم القطاع وبرغم وجود أفكار عدة إسرائيلية وأمريكية وعربية لكن كلها نظرية.
>هل السلطة الفلسطينية قادرة على تولى السلطة حالياً؟
>> السلطة الفلسطينية وضعها الحالى ضعيف للغاية ولابد من تأهيلها، والمعركة الكبرى ستكون معركة ما بعد أبومازن لانه أحد يعرف ماذا سيحدث فى الساعة التالية، وشكل السلطة بعد ابو مازن، وان كانت هناك العديد من الأفكار لإعادة تعزيز وانعاش السلطات والإمكانيات والقدرات للسلطة، لكنه سيأخذ بالتأكيد وقتاً لاتمامه.
> ماذا عن إنشاء دولة فلسطينية؟
>> هناك العديد من الحلول، منها إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، دون جيش أو شرطة، مجرد تكوين أجهزة أمنية بسيطة، وهذا بالتأكيد سيحاول نتنياهو ايقافه لانه غير راض بالفكرة، وهناك فكرة أخرى تستخدمها أمريكا وهى إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبالفعل أشار وزير الخارجية بلينكين فى تصريحاته إلى إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وكذلك فعل وزير خارجية بريطانيا، ولكن لابد من التفريق بين الاعتراف الدولى الذى رأيناه من جانب بعض الدول مثل إسبانيا وايرلندا، والاعتراف القانونى الذى له دلالات سياسية رمزية ليس أكثر، لكن الاعتراف الحقيقى يأتى من جانب مجلس الأمن، أمريكا لن تعترف إلا بعد اقرار الوضع فى عملية السلام فى المنطقة بصورة أو بأخري، وهو ما قد يؤخر هذا الاعتراف حتى استقرار الأوضاع، لأن أمريكا تريد ذلك عبر المفاوضات، خاصة أن التفاوض يمنح إسرائيل الفرصة للحديث عن العديد الملفات مثل المياه، اللاجئين، الحدود والقدس وغيرها من الملفات التى تسعى للاتفاق عليها خلال التفاوض وقبل الاعتراف بالدولة.
للعلم حدود إسرائيل أصبحت الآن مرسومة المعالم وواضحة رغم كل ما يحدث، فعندما تذهب إلى القدس ستجد جبال القدس ثم الممرات اليهودية ثم المنطقة خلف الجدار العازل، وهى الدولة الفلسطينية، وإسرائيل اعترفت بذلك دون شك، وبذلك ستكون قد رسمت حدودها.