اعجبتنى رسالة وصلتنى من خلال احدى منصات التواصل .. تقول الرسالة «الشخص الذى «يكنس» الشوارع يسمى عامل نظافة.. أما الشخص الذى يلقى الزبالة فى الشارع فهو «الزبال» .. فعلا كلام جميل وفى الصميم.. عمال النظافة هم بالفعل من أحوج الفئات التى تحتاج إلى الدعم وإلى الرعاية.. مجرد القبول للعمل بهذه الوظيفة هو أكبر دليل على الاحتياج الشديد لأى دخل كان وبأى شكل كان .. النظرة المجتمعية لهذه الفئة ليست دائما ايجابية أو حنونة .. إضافة إلى أن الراتب ضعيف والملبس سييء للغاية وطبيعة العمل نفسها لاتبعث على الراحة المعنوية أو الاعتزاز بالانجاز .. كل هذه العوامل تجعل البعض ممن يعمل فى هذه المهنة .. يتنازل عن الكثير من أجل الحصول على أى مال .. ولايخجل من التسول والاستجداء والاصطفاف أمام المساجد أو الطرقات .. وعلى رأى المثل «ماهى بايظه بايظه» ..
وفى واقع الأمر .. فهناك احتياج شديد لمراجعة شاملة لمنظومة عمال النظافة بأكملها .. الواقع يقول ان شوارعنا لا تخلو من القمامة والأتربة.. والقليل جدا من عمال النظافة من يقوم بعمله على الوجه الكامل .. وللإنصاف فهم لا يستطيعون ذلك .. يمسكون بمكانس مخزية وبدائية من سعف النخيل .. ينقلون التراب من مكان الى آخر فى أكوام صغيرة بجوار الرصيف.. وينصرفون.. وسرعان ما تعود الأمور إلى ما كانت عليه فى ساعات قليلة.. نشعر كأن عمال نظافة الشوارع هم رسالة ساذجة من المحليات لتقول .. «نحن هنا.. وعملنا اللى علينا».. ونقول لهم.. لو كان الهدف أن يقوم الكناسون بنظافة الشوارع .. فالأمر فاشل.. وفاشل جداً.. ولابد من إعادة النظر فى كافة عناصر هذا الأمر.
أحيانا كنا نرى بعض السيارات الكبيرة تزيل الأتربة من الشوارع.. ولكنها تظهر وتختفي.. وإذا ظهرت فلا بد أن يكون فى ذورة الإزدحام المروري.. والكثير من دول العالم تستخدم منذ مدة طويله معدات متطورة لنظافة شوارعها.. والمستودعات الصينية لديها العديد منها أشكال وألوان.. شيء حضارى وعملى وفاعل.. جاهزه ولا تحتاج الى دراسات ولا فزلكة.. وتشغيلها لابد أن يكون أقل تكلفة من منظومة عمالة النظافة الغير منطقية وغير المجدية فى وضعها الحالي.
منع وجود مخلفات أو زبالة فى شوارعنا أهم بكثير وأجدى إقتصاديا وأكثر رقيا وتحضرا من إزالتها من الشوارع.. ولأن المواطن هو للأسف الشديد السبب فى عدم نظافة شوارعنا.. لابد أن يكون الحل الجذرى لهذا الأمر هو أن يتوقف المواطن عن هذا السلوك غير الحضارى .. وكلمة «يتوقف» معناها أنه إما ان يجبر على ذلك .. وإما أن يتعود على ذلك.. من زار سنغافوره يعلم كيف أن من يرمى رماد السيجارة على الأرض يعاقب بغرامة مالية كبيرة على الفور.. أقول رماد السيجارة وليس عقب السيجارة أو علبة السجائر الفاضية.. مافيش هزار أو تهاون.. العقاب والحسم يفيد فى الكثير من الأحيان .. ويمكن أن يكون حلا لتعديل الكثير من السلوكيات السلبية.. أما الحل الأطول أمدا ولكنه الأكثر استدامة.. هو تعديل السلوكيات وتصحيحها بحيث يتفهم المواطن أن الشوارع ليست صندوقا كبيرا للقمامة.. وهذا يجب أن يبدأ من الصغر .. فى المنزل والمدرسة .. هما الأساس وهما الأهم وهم الأكثر تأثيرا واستمرارية .. أتذكر أن أول زيارة لى لمدينة قنا كانت أيام أن كان محافظها اللواء عادل لبيب .. شاهدت طفلا صغيرا يجرى الى وسط الشارع بين السيارات ليلتقط كيسا من الورق ثم يضعه فى صندوق القمامة .. طلبت من سائق السيارة الذهاب الى ديوان المحافظة .. وطلبت أن أقابل المحافظ .. وبالفعل قابلته لأحكى له ما رأيت .. ولأشكره .. فقد استطاع ان يجعل المواطن يستشعر بأهمية النظافة وأهمية السلوك الحضارى .. وكانت بداية لصداقة وأنشطة تنموية مشتركة كثيرة ..
نعم .. الشعوب المتحضرة الواعية .. ليس لديهم عمال للنظافة .. لأن ليس بينهم «زبالين».