بقراءة سريعة وفاحصة لنتائج الانتخابات في اوروبا وبريطانيا والتي أفضت إلى صعود تاريخي لليمين واليمين المتطرف على حساب الليبرالية والنيو ليبرالية ، لقد صعد اليمين المتطرف في عموم اوروبا بشكل لم يتخيله أشد المتشائمين من معسكر الديمقراطية الهشة ، انهار تحالف الأحزاب الفرنسية امام زلزال اليمين المتطرف ليلتقي معانقا اليمين الإيطالي المتربع على عرش إيطاليا ، البرلمان الأوروبي كشف الحكاية وتفاصيلها دون رتوش ، اما حزب المحافظين البريطاني والذي هوى من مقاعده تاركا التاريخ ليكتبه منفردا حزب العمال ، امريكا تستعد لعودة ترامب وظاهرته إلى البيت الأبيض لنكون امام حالة نادرة من حالات العودة الجماعية إلى اليمين في عموم العالم ، هذا لا يعني سوى سقوط النموذج الديمقراطي الغربي شديد الهشاشة
في هذه الأثناء يمر العالم بمجموعة عواصف متداخلة فليست عاصفة واحدة بل حزمة من العواصف التي تضافرت وهبت على الكوكب دفعة واحدة ، رأينا الجائحة وتحوراتها ،الحروب وتداعياتها ، التغيرات المناخية وتوابعها ، بالتأكيد ستهدأ تلك العواصف بفعل نواميس الكون وحركة الطبيعة التي قدرها من خلقها سبحانه وتعالى ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن بشدة هو ماذا سيكون شكل الكوكب بعد هدوء العاصفة وانقشاع اثارها ؟ وبمعنى أدق ما هي مساحة التغيير الذي سيكون أحد مخرجات طريقة التعاطي والتفاعل مع تلك العواصف ؟ مساحات التغيير التي ستكون قد طرأت على الانسان ثقافته ونفسيته ومعتقداته وانتماءه ، هذه التغيرات ستكون هي أدوات أو مسببات التغيرات السياسية التي سيشهدها العالم خلال المرحلة القادمة وهي « مرحلة ما بعد العواصف « أوروبا بدأت تستدير نحو اليمين المتطرف واليمين المتطرف جدا وكذلك الولايات المتحدة التي يتصارع حزباها الرئيسيان على مساحة ضيقة من الديمقراطية الهشة وهذا يعني أن المعسكر الغربي سيشهد تحولات كبرى في نخبه السياسية ، وعلى العكس مما سيجري في المعسكر الغربي أتوقع ان يكون المعسكر الشرقي الصين وروسيا وكوريا الشمالية وايران والهند في وضع أكثر استقرارا في نخبه الحاكمة ، ويأتي المعسكر الشرق اوسطي الذي تعتبر مصر والسعودية وتركيا مفاتيحه الاساسية ليكون استقراره السياسي أفضل كثيرا من الوضع الحالي ، الذي يجمع بين الدولة الوطنية المتماسكة مع مساحات ديمقراطية معقولة وعاقلة ، لقد سقطت نماذج الديمقراطية الغربية التي تعتمد على مبادئ الحرية المطلقة كما أن النظم الشمولية الديكتاتورية المستبدة سقطت أيضا في فخاخ الرجعية والتخلف ، بقي النموذج الشرق اوسطي والذي تمثل مصر وتركيا نموذجا واضحا له وهو «الديمقراطية المشرقية « والتي تعتمد على احترام الدولة الوطنية واعتبار الحريات المسئولة هي أساس العقد الاجتماعي ، بيد أن التطرف والمغالاة في الحرية المطلقة في الغرب سيؤدي حتما الى ضعف الدولة الوطنية ولنا في استدارة أوروبا نحو اليمين المتطرف واستعادة البعد والروح القومية العبرة