الواقعية.. الواقعية يرحمكم الله عندما ينفصل البعض عن هذه الواقعية ويستعيضون عن الممكن تحقيقه بالواجب المستحيل تحققه، ويسبحون فى فضاءات المثالية الأفلاطونية، لا ينزلون من علياء أفكارهم البراقة الى الواقع شديد التعقيد والتشابك، هؤلاء هم أصحاب نظرية ينبغى قول وينبغى فعل وينبغى عمل بما يسمى «بالينبغيات»، فتجد كل من يريد دغدغة مشاعر الناس فيخرج إليهم شاهرا سيف الينبغيات البتار! ينبغى ألا يقل مستوى التعليم المصرى عن مثيله فى ألمانيا واليابان! على أن يكون متاحا وبالمجان لجميع فئات المجتمع! ينبغى أن تكون منظومة الصحة على غرار المنظومة الأمريكية بلا تمييز بين المرضى! ينبغى أن يكون دخل المواطن فى مصر مناظراً لدخل المواطن فى دول الخليج! ينبغى ان يكون الانفاق على الثقافة والفكر والبحث العلمى عشر الموازنة العامة! ينبغى أن يتمتع المواطن بحرية التعبير والتظاهر والاحتجاج والإضراب بشكلٍ مطلق مثلما يحدث فى دول البلطيق! ينبغى أن يكون هناك تداول للسلطة من خلال تنافس حزبى راق يشارك فيه كل المجتمع! ينبغى أن يعمل القطاع الخاص من خلال آليات العرض والطلب وبحرية مطلقة وعلى الدولة ان تبتعد تماما عن النشاط الاقتصادى إلا فى أضيق نطاق، ينبغى أن تقضى الدولة عن الأمية وتضبط الزيادة السكانية! كل هذه «الينبغيات» تبدو جميلة وبراقة ومريحة لمن يسمعها، لكن هل فكر صاحب هذه الينبغيات قليلا فى الإجابة عن الاسئلة البسيطة التالية، ما هو الوضع الحالى؟ وكيف نبدأ؟ ومن يبدأ؟ وأين مصادر التمويل اللازمة؟ وما هى التشابكات والعقبات والمطبات أمام كل ينبغى من هذه الينبغيات؟
يا سادة ما أسهل التنظير والتأطير وسرد الحلول ووضع الينبغيات، لكن ما أصعب الإجابة عن تلك الاسئلة التى تبدو بسيطة لكنها شديدة التعقيد.