السؤال الذى يتبادر إلى ذهن كل من يقرأ العنوان ويجده فى صفحة الفن.. وليس فى الصفحة الدينية عليه أن ينتظر قليلاً ويصبر وسوف يجد الإجابة الشافية.. والبداية لابد فيها من الترحيب بالدكتور أسامة الأزهرى وزيراً للأوقاف فى حكومة جديدة نأمل معها الكثير فى كافة الاتجاهات.
ولأن الدراما الدينية غائبة فى السنوات الأخيرة وهى واحدة من ركائز وأدوات تجديد وسائل الخطاب الدينى فى عصر الصورة ووسائل التواصل الاجتماعي.. وهذه هى رسالة وزارة الأوقاف الدعوية إلى جانب رعايتها واستثمارها لأموال الوقف.. وهى توظفها فى شركات وبنوك.. ومن باب أولى أن يكون لها دورها فى المجال الدينى بشكله الحديث.. وبما لا يتعارض مع الشركة الأولى المسئولة عن الدراما والقنوات والنشاط الإعلامى وهى المتحدة.. التى حققت خطوات مهمة وناجحة استعادت بها رسالة الدراما المصرية وريادتها وقدمت العامين الماضيين مسلسلات مثل «الحشاشين« مسلسل «رسالة الإمام» وهى أعمال رائعة حققت نجاحا كبيرا بجانب البرامج الدينية المتميزة التى تقدمها قنوات المتحدة..ودخول وزارة الأوقاف على هذا الخط سوف يضيف بعدا جديدا ويدعم الرسالة من خلال التعاون المثمر والتكامل مع المتحدة لأنه سيدخل بأساليب الدعوة إلى محاور جديدة وجاذبة للشباب أولاً ثم لجميع قطاعات المجتمع وبما يحارب التشدد والتطرف وينشر ثقافة التسامح والتعايش ويحقق العائد المادى حفاظاً على أموال الأوقاف.. وهى أمانة.. لأن مصر كانت دائماً الرائدة فى هذا الميدان.. ومع اتساع المحاور ودخول المنصات والقنوات ووسائل التواصل.. وغياب هذا اللون الفنى الديني.. بما يعنى التفرد وبالتالى ضمان تسويقه وتوزيعه ونشره فى العالم الإسلامى بل وفى العالم كله بعد ترجمة مثل هذه الأفلام والمسلسلات.. والبرامج الدينية بلغات عديدة.. بما يغير الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين فى أرجاء المعمورة وهم بفضل الله حالياً ينتظرون فى أرجاء العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.. وفى أمس الاحتياج إلى من يقدم لهم ما جاء القرآن فى الكريم من القصص العظيمة.. وبما تزدهر به السنة النبوية المشرفة وعلينا أن نستخدم هذا المنهج ونعض عليه بالنواجز ونكلم الدنيا باللغة التى تفهمها وتتجاوب معها.
عالمية الإسلام
عندما تنظر إلى أبطال الإسلام الأوائل صهيب الرومى وسلمان الفارسى وبلال الحبشي.. ستعرف كيف بدأ هذا الدين عالمياً لا فرق فيه بين عربى وأعجمى إلا بالتقوي.. ثم نرى أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم التى تأمر بالرفق بالطير والشجر.. فمن تعذب القطة تدخل النار ولو كانت مصلية صائمة حاجة مزكية.. على العكس من ذلك تدخل الجنة من تسقى الكلب فى حذائها وهى من أهل البغاء.
والقرآن الكريم فيه عشرات القصص العظيمة.. منها أصحاب الأخدود وأهل الكهف.. وقد بينت فى كتابى «السيناريو والحوار فى القرآن الكريم» كيف تأخذ القصة فى الكتاب الكريم أشكالاً عديدة لها رسالة كبرى وليست للتسلية ووقفت طويلاً أمام سورة يوسف عليه السلام.. فيها المؤامرة من جانب أخوته.. وفيها الغرام من جانب امرأة العزيز وقد شغفها حباً وفيها التمثيل عندما جاء إخوته إلى أبيهم عشاء يبكون بدموع التماسيح.. ولأن الأب هو نبى كريم يعرف ما يدبرون.. وقد أخذ يوسف يرتع ويلعب ولما عادوا واستخدموا الدم الكذب على قميصه «المكياج والحيل» قالوا إنه جلس عند متاعهم وأكله الذئب.. وهو ما ينفى ما جاء على ألسنتهم ثم نرى كيف تغير الحال مع يوسف عليه السلام بعد السجن وفى السجن .. ثم مع إخوته وقد جاءوا إليه طلباً للعون والكيل بعد أن بلغ أعلى المراتب فى مصر.. ويستهل المولى سبحانه وتعالى هذه السورة بأنها «أحسن القصص» بينما فى الكتاب الكريم سورة عنوانها «القصص» وفيها آية هى عبارة عن مشهد مكتمل بكلمات قليلة «وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون».. تأملها جيداً ونحن نعلم أن القص هو تتبع الأثر والقصة تتبع الحكاية خطوة خطوة.. وفى هذه السورة نظرة درامية شهيرة تقول المكان الأفضل لاختبار اللص هو قسم الشرطة.. وهو ما جرى مع سيدنا موسى عليه السلام عندما قامت امرأة فرعون بتربيته وهو الذى يجمع الأطفال ويتخلص منهم.. لأن فيهم من يزلزل عرشه.. وروعة القرآن الكريم تتجلى فى وصف حالة أم موسى عليه السلام.
«وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين».
وسبق ذلك بشرى المولى سبحانه وتعالى للأم التى أطاعت الأمر الإلهى وألقت بابنها فى النهر.. حيث قال سبحانه وتعالي: «فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين».
وقصص القرآن الكريم مادة يبحث عنها المسلم وغير المسلم.. وقد رأينا كيف تحول مسلسل يوسف الصديق الإنتاج الإيرانى إلى حدث عالمى جرى إنتاجه بما يعادل ٧ ملايين دولار وحقق ما يزيد على الـ 70 مليوناً.. مع تحفظى على ظهور الأنبياء والعشرة المبشرين بالجنة كما يوصى الأزهر الشريف.. وحقق فيلم «الرسالة» للمخرج الراحل العالمى مصطفى العقاد انقلاباً عند عرضه لأول مرة فى لندن وأمريكا وكانت الآلاف تتسابق لمشاهدة الفيلم الذى كان يحمل عنوان «محمد صلى الله عليه وسلم» لكن المخرج رأى أن إعلاناته بهذا الاسم الشريف قد تتواجد فى أماكن غير لائقة فغيره إلى «الرسالة» وشاهده الملايين ولا يزال يعرض حتى الآن ويلقى القبول.. وفى مصرنا الغالية ومع بداية الإرسال التليفزيونى كانت الدراما الدينية حاضرة فى ظل إمكانات بسيطة.. وقد قدم المخرج أحمد طنطاوى مسلسله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه عن موسوعة الكاتب عبدالحميد جودة السحار وتناوب على كتابة الأجزاء الشاعر الكبير عبدالفتاح مصطفى والكاتبة أمينة الصاوي. كما قدم المبدع الكبير محمد على ماهر على مدى 17 عاماً مسلسل «أحسن القصص» فى الإذاعة المصرية وكان علامة من علامات شهر رمضان الكريم.. وخاض نور الشريف بوعى شديد التجربة بعملين أبرز ما قدم فى تاريخه «هارون الرشيد» و»عمر بن عبدالعزيز» للشاعر المؤلف الكبير عبدالسلام أمين مع المخرج أحمد توفيق.. ولم نرى بعد ذلك أعمال دراما دينية إلا مع ظهور المتحدة التى اعادت الاعتبار للدراما.
الحلم المنتظر
شركة الدراما التى نقترحها لوزارة الأوقاف بالتعاون مع الشركة المتحدة تستطيع أن تشغل هذا الفراغ.. مستفيدة من التطور الهائل فى تكنولوجيا الصورة والصوت وسوف تكون فريدة من نوعها لأنها متخصصة ولأنها أيضا تخرج من وزارة حكومية لها ثقلها بعيداً عن استثمار الجانب التجارى على حساب روحانيات هذه الأعمال من بعض الشركات الخاصة التى تبحث عن الربح وتراهن عليه.
الدكتور أسامة الأزهرى بوعيه ورؤيته يستطيع أن يطور هذا الاقتراح ويضعه فى إطاره القانونى السليم حتى يخرج إلى النور برسالة هى النور كله.