حقّق حزب العمال البريطانى انتصاراً ساحقاً فى الانتخابات التشريعية التى أجريت الخميس الماضى، لينهى بذلك 14 عاماً متتالية من حكم المحافظين ويفتح أبواب داونينج ستريت أمام زعيمه كير ستارمر الذى كلفه الملك تشارلز أمس بتشكيل الحكومة البريطانية الجديدة.
حصد حزب العمّال (يسار وسط) على 412 مقعدا برلمانيا من أصل 650 مقعدا فى مجلس العموم، متقدماً بفارق شاسع على المحافظين الذين ستنحصر حصّتهم بـ 121 مقعداً فى أسوأ نتيجة انتخابية لهم منذ مطلع القرن العشرين.
بهذه النتيجة خرج حزب المحافظين من المشهد السياسى البريطانى بعد هزيمة ساحقة من العمال، لتدخل أكبر سادس اقتصاد على مستوى العالم عهداً جديداً، ينهى حالة التخبط السياسى والاقتصادى لقادة المحافظين، خلال السنوات الأخيرة فى الحكم.
ساعد فى فوز العمال – الذى ظل خارج الحكم لمدة 14 يوماً – الاخفاقات الكبيرة لحزب المحافظين سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى، لاسيما بعد أن تولى أربعة رؤساء من المحافظين رئاسة الوزراء خلال الخمس سنوات الأخيرة فقط.
ففى عام 2019، أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماى، التخلى عن منصبها بسبب فشلها فى تنفيذ قرار استفتاء 2016 للخروج من الاتحاد الأوروبى، كما استقال بوريس جونسون من منصبه عام 2022 الذى جاء خلفاً لماى بعد فضيحة «بارتى جيت» خلال فترة إغلاق كورونا.
وبعد ستة أسابيع فقط على توليها المنصب، أعلنت ليز تراس أيضاً استقالتها من رئاسة الوزراء بسبب فشلها الذريع فى إدارة اقتصاد البلاد، ليأتى بعدها ريشى سوناك عام 2022 الذى لم يستمر سوى عامين، ليعلن بعدها عن إجراء الانتخابات العامة.
وأشارت النتائج أن حزب المحافظين خسر مقاعد جميع رؤساء الوزراء الذين شغلوا المنصب عن الحزب منذ عام 2010، باستثناء مقعد رئيس الوزراء الحالى ريشى سوناك، حيث خسروا مقعد ديفيد كاميرون فى ويتنى ومقعد تيريزا ماى فى ميدينهد لصالح الديمقراطيين الليبراليين، فيما انتزع حزب العمال مقعدى بوريس جونسون وليز تراس فى كل من أوكسبريدج وساوث رويسليب وجنوب غرب نورفولك.
يذكر أن رئيس الوزراء البريطانى ريتشى سوناك كان فاجأ البلاد والعديد من أعضاء حزبه عندما دعا إلى إجراء انتخابات مبكرة، حينما كان المحافظون يتأخرون عن حزب العمال بنحو 20 نقطة فى استطلاعات الرأى.
ومن المقرر أن يصبح ستارمر رابع زعيم لحزب العمال يطيح بالمحافظين منذ الحرب العالمية الثانية، وأول رئيس وزراء لحزب العمال منذ 14 عامًا، وستصبح راشيل ريفز أول مستشارة للمملكة المتحدة فى حكومة عمالية جديدة.
وكان ريتشى سوناك قد اعترف بالهزيمة امام حزب العمال وأعلن تحمله المسئولية وذلك قبل لقائه بالملك تشارلز لتقديم استقالته رسميا. وأضاف سوناك بعد إعادة انتخابه فى دائرته الانتخابية فى ريتشموند بشمال إنجلترا، أن الشعب البريطانى أصدر حكما واضحا، وأنه «سيتم تداول السلطة بطريقة سلمية ومنظمة، مع حسن النية من جميع الأطراف. وهذا أمر ينبغى أن يمنحنا جميعا الثقة فى استقرار بلادنا ومستقبلها.»
وأعلن سوناك تحمله مسؤولية الخسارة، قائلاً بأن «هناك الكثير لنتعلمه» وهنأ منافسه زعيم حزب العمال كير ستارمر وحزبه بعد فوزهم فى الانتخابات.
وكان من المقرر أن يتجه سوناك إلى المعارضة بصفته زعيما للحزب الذى حصل على ثانى أكبر عدد من من مقاعد البرلمان، إلا أنه قرر الاستقالة من زعامة المحافظين.
من جانبه، تعهد ستارمر فى كلمة احتفالية، عقب إعلان فوز حزبه أن يعمل من أجل خدمة أبناء دائرته الانتخابية، سواء من صوّت له أو لم يصوّت لصالحه، وفق حديثه. وقال «لقد حان وقت التغيير الذى بدأ من هنا، هذه ديمقراطيتكم ومجتمعكم ومستقبلكم، وسأقاتل من أجل خدمتكم».
وتواجه حكومة ستارمر عدداً من العقبات التى تتطلب جهداً ليس سهلاً، منها مشكلة الارتفاع الحاد فى الأسعار، لاسيما أسعار الطاقة والسلع، حيث يتطلع الناخبون إلى تغيير السياسة الاقتصادية للبلاد من خلال الحد من التقشف، وأزمة تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى تحسين نظام الصحة العامة المتهالك.
وشهدت بريطانيا سلسلة من السنوات المضطربة، الأمر الذى جعل العديد من الناخبين متشائمين بشأن مستقبل بلادهم، وفقاً لتقارير أعدتها وسائل إعلام محلية.
أدى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى، الذى أعقبه جائحة كوفيد -19 والاجتياح الروسى لأوكرانيا، إلى الإضرار بالاقتصاد البريطانى.
وأكدت النتائج أن رسالة حزب العمال «حان وقت التغيير» وجدت صدى لدى الناخبين بعد سنوات من الانقسام فى ظل حكم المحافظين، بما فى ذلك التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وتداعياته.
ويتطلع الناخبون إلى التغيير فى سياسات البلاد الاقتصادية من خلال الحد من التقشف وارتفاع تكاليف المعيشة وتحسين نظام الصحة العامة المتهالك.
من ناحية أخرى أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن تهانيها لزعيم حزب العمال البريطانى كير ستارمر، بمناسبة فوزه بأغلبية الأصوات فى الانتخابات التشريعية البريطانية.