فى صالة الانتظار بأحد المستشفيات الكبرى جلست انتظر دورى للدخول للطبيب فى استشارة شهرية معتادة وطال الانتظار؛ وبدأ المريض الذى يجلس إلى جوارى رحلة ملل طويلة حيث لم يتعود على طول الانتظار فى ساحات المستشفيات.
سألني: هل الطبيب الذى ننتظره جيد ويستحق كل هذا الانتظار فضلا عن قيمة الكشف المرتفعة؟
قلت له: الطبيب جيد وسمعته طيبة.. لكن لا يوجد طبيب يعطى شهادة ضمان لمرضاه.
عاد ليسأل: هل زرع الكبد عملية مضمونة النتائج وأستطيع أن أعيش بعدها حياة طبيعية؟
سألته: وما الذى أفسد كبدك وأنت فى مرحلة الشباب؟
قال بصوت مليء بالحسرة والألم: تناولت أعشابا طبية سامة أعطاها لى أحد الدجالين ووثقت فيه وأدت الى تدهور صحتى وتلف كبدي!!
>>>>
بعيدا عن قصة هذا الشاب الذى دمر كبده لأنه ألغى عقله وسلم نفسه لدجال.. أؤكد أن الدجالين الذين يزعمون علاج الأمراض بأعشاب دون علم ودراسة أو ببعض التعاويذ أو إدعاء العلاج بالقرآن لا يزالون ينتشرون بيننا فى كل المحافظات، ولا يزال هؤلاء يمارسون دجلهم، ويتكسبون من وراء خرافاتهم، والكثير من البسطاء بل وبعض المتعلمين والمثقفين يقعون ضحية لهم، ويدمرون صحتهم ويفقدون أموالهم فى أوهام لا علاقة لها بالدين ولا بالعلم ولا بالطب.
فى العديد من المدن والقرى دجالون معروفون يمارسون الدجل فى ظل سيطرة مفاهيم خاطئة بين الناس بأن الأعشاب إذا لم تفيدك فلن تضرك، وأن القرآن الكريم فيه شفاء من كل الأمراض وبالتالى لا بأس من الاستعانة بأحد الذين يدعون العلاج بالقرآن لكى يعالج لنا أمراضنا ويخلصنا من الآمنا وينهى معاناتنا.. وضحايا هذه المفاهيم الخاطئة منتشرون- للأسف- فى كل محافظات مصر ولا أحد يتعظ مما حدث لمن سبقوه، ولا يريد أن يوقظ عقله وضميره ويصحح خطأه ويرجع فى علاج أمراضه الى «أهل الذكر فى علاج الأمراض» وهم الأطباء.
منذ شهور فقدت صديقا عزيزا لأنه ترك علاجه عند الأطباء وصدق دجالا أوهمه بأنه يعالج السرطان الذى يعانى منه بالقرآن، وأنه سبق وعالج بعض المرضى الميئوس من علاجهم فسار خلفه الصديق العزيز- رحمه الله وعفا عنه- وترك علاجه الطبيعى الذى قرره الأطباء وكلها أربعة أسابيع ورحل عن دنيانا ليس بسبب القرآن الذى لجأ إلى العلاج به بحكم عاطفته الدينية ويأسه من العلاج الكيماوي، ولكن لأنه وثق فى دجال لا علاقة له بالقرآن ولا يفهم رسالة القرآن فى حياتنا، ولا علاقة له بالعلاج، ولكنه يلعب على مشاعر الناس ويستغلهم، وهم فى حالة ضعف يلتمسون العلاج ويتعلقون بالحياة بأية طريقة وبأى ثمن.
>>>>
ديننا يحذرنا من السير خلف الدجالين وباعة الأوهام، وتعاليمه تحمى عقولنا وأجسادنا مما يروج له هؤلاء تحت ستار دينى والدين من أفعالهم ومعتقداتهم الخاطئةبريء.. ديننا يحترم العلم والعقل ويحث المسلم على أن يأخذ بالأسباب الطبيعية للعلاج، ويرفض كل صور الاستسلام لدعاوى الدجالين والمتاجرين بالدين، ويأمرنا بأن نلتمس علاج أمراضنا عند الأطباء المتخصصين وليس عند الدجالين الذين يزعمون علاج مختلف الأمراض بالقرآن، أو بطرق بعيدة عن العلم.
دراسات وإحصاءات عديدة لا تزال ترصد سيطرة الخرافة وأساليب الدجل والشعوذة على عقول الكثيرين وهو أمر يفرض على جامعاتنا ومراكز أبحاثنا الاجتماعية والدينية دراسة هذه المشكلة المتأصلة فى مجتمعاتنا لتحصين العقول وانقاذ صحة المصريين من تجار الأوهام ومحترفى النصب على الناس.
لا ينبغى أبدا أن نوفر بيئة آمنة للدجالين وتجار بيع الوهم للبسطاء تحت ستارات دينية، أو غير دينية حيث كشفت السنوات الأخيرة دخول بعض الأطباء الفاشلين فى الطب ساحة العلاج بالأعشاب وتسببوا فى أضرار كثيرة لضحاياهم وقد قامت الأجهزة المسئولة باغلاق أوكار بعض هؤلاء وتقديمهم للعدالة.
مواجهة هذه المشكلة تحتاج جهدا مضاعفا من العلماء والدعاة، فالاعتقاد فى بضاعة الدجالين الفاسدة تؤكد أن مفاهيم الدين الصحيحة لا تزال غائبة عن كثير من الناس، وفى ظل غياب المفاهيم والقيم والتعاليم الدينية الصحيحة، يجد الدجالون ضالتهم وينشرون ضلالهم بين الناس بسهولة ويسر.. ولو رجع الناس إلى تعاليم دينهم لأدركوا أن اللجوء إلى الدجالين لمساعدتهم على حل مشكلاتهم «معصية كبري»، لأن الإنسان هنا يغيب عقله، ويتخلى عن معتقداته الدينية الصحيحة، ويطلب العون ممن لا يملك العون.