هل يمكن أن يشعر الإنسان، أى إنسان، بالسعادة رغم حرمانه من كل متع الحياة ومتطلباتها الأساسية ؟، وهل يمكن أن يكون مبدعا فذا ما لم يكن سعيدا ؟. هل يستطيع أى إنسان أن ينتج ويبدع ويبتكر ويتفوق وهو عاجز عن تحريك أى جزء فى جسمه، عاجز حتى عن تحريك رأسه بدون مساعدة؟. هل يستطيع إنسان معاق تماما أن يصبح أعظم علماء عصره، وان يبهر العالم بمؤلفات تفسر ظواهر الكون وتكشف أسراره ؟. بالنسبة لى وللكثيرين وربما للجميع، فإن الإجابة على كل التساؤلات السابقة هى النفى القاطع الذى لا يحتمل تعدد الآراء والاجتهادات ولا يعترف بالرأى الآخر، ولكن ستيفن هوكينج فعلها، وفعل ما هو أكثر بكثير، حتى استحق لقب أعظم عالم فيزياء خلال القرن العشرين بعد اينشاتين، وحتى الآن وإلى إشعار آخر… واعتقد انه يستحق وصف الأعظم إذا أخذنا فى الاعتبار أنه دحض الكثير من نظريات وتفسيرات اينشتاين، وانه يختلف عن اينشتاين فى كونه رأسا بلا جسد، أو رأسا مستقرا على جسد جامد مريض عاجز عن فعل أى شيء أو القيام بأى حركة، رأس متجرد من كل صلاحيات وسلطات الحكم أو التحكم فى الجسد الذى يحمله، رأس لا يملك من أدوات الحياة وأسبابها سوى القدرة على التفكير والإبداع، لا يملك سوى سر العبقرية.
فى مرحلة مبكرة من عمره أصيب هوكينج بمرض شديد الخطورة فى الأعصاب، أصاب كل أطرافه بالشلل الكامل، أصبح عاجزا عن تلبية أى من احتياجاته الحياتية الأساسية، لا يكتب، لا يتحرك، لا يقوى حتى على رفع يديه عدة سنتيمترات، لا يستطيع أن يعدل وضع قدميه على كرسيه المتحرك. وبالنسبة لنا وللجميع فإن الإصابة بهذه الأعراض المدمرة هى نهاية العالم، هى الاستسلام لليأس والاكتئاب، أما هوكينج فكان له رأى آخر، عبر عنها قبل سنوات فى موقعه على شبكة الإنترنت بقوله «يسألوننى دائما كيف أمارس حياتى فى ظل كل هذه الإعاقات المخيفة فى جسدي، والإجابة هى أننى أحاول أن أعيش حياة طبيعية بقدر الإمكان، لا أفكر فى حالتي، لا اندم على الأشياء التى حرمت منها بسبب الإعاقة. اعترف بأنها كانت صدمة كبيرة بالنسبة لى عندما اكتشفت لأول مرة أننى مصاب بمرض خطير فى الأعصاب سوف يجعلنى عاجزا تماما من الناحية الحركية، ولكننى تجاوزت الصدمة، تسلحت بإرادة الحياة، قررت الاستمرار». وهكذا تحول هوكينج الذى ولد فى الثامن من شهر يناير عام 1942 فى المملكة المتحدة إلى أسطورة غير مسبوقة.
قبل سنوات قليلة فاز البروفيسور ستيفن هوكينج بجائزة «أفنتيس» للكتب العلمية، وهى واحدة من أهم الجوائز التى تمنح للكتّاب العلميين، مكافأة له على كتابه الرائع «الكون باختصار». والكتاب عبارة عن دليل مصور عن الكون بما فى ذلك الثقوب السوداء ونظرية الكوانتوم والتضخم والسفر عبر الزمن وغيرها الكثير مما يصعب حصره وفهمه.. هو تكملة لكتابه الأروع والأصعب «موجز تاريخ الزمن» والذى اكسبه شهرة عالمية.
رئيس حكام جائزة «أفنتيس» الدكتور راج بيرسود، وهو طبيب نفسي، قال عن كتاب هوكينج «هذا الكتاب يمثل جهودا حثيثة لإحياء موضوع صعب من خلال نص مقروء وصور واضحة، وهو يصور الكون من وجهة نظر عالم كبير قدم إسهامات مهمة».
مرة أخرى تقودنا قصة هوكينج إلى حقيقة شديدة الأهمية وهى أن ما بين أيدينا من أسباب السعادة كثير، وان ما ينقص البعض منها هو القناعة والإحساس العميق من الداخلى بالرضا عن النفس.