قبل أحداث يناير من عام 2011 فإن كونداليزا رايس وزير الخارجية الأمريكية زارت مصر واجتمعت بالرئيس الأسبق حسنى مبارك وتحدثت معه عن ضرورة تنفيذ عدة خطوات للانفتاح السياسى وحذرت من ان التباطؤ فى إجراءات الإصلاح من الداخل سيُعجل بالفوضى الخلاقة التى سينجم عنها نظام سياسى جديد.
والرئيس مبارك العنيد والعتيد تجاهل نصائح كونداليزا ولم يدرك انها تحذيرات وانها رسالة بأن الأمريكان يعتزمون تنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة فى المنطقة وأكد لكونداليزا انها «لا تفهم المصريين» الذين يبحثون عن الاستقرار وتحسين الحياة.
ولأن مبارك تجاهل النصائح ولم يجر اصلاحات داخلية سريعة أو لم يكن فى مقدوره إحداث التغيير الجذرى فإن الأمريكان كانوا وراء اسقاط مبارك ونظامه وتشجيع وتدريب مجموعات شبابية معارضة على استخدام وسائل التواصل الحديثة فى التجمع والتظاهر ونشر الشعارات والأفكار.
وفوجئ نظام حكم مبارك بأن مناسبة الاحتفال بعيد الشرطة فى 25 يناير 2011 فى ميدان التحرير قد تحولت إلى مناسبة للاحتجاج على مبارك ونظامه السياسي.
وكان يمكن لمبارك احتواء الأزمة سريعا بالمبادرة بالإعلان فى هذا اليوم عن عدة خطوات اصلاحية سريعة تعيد الثقة فى الإصلاح والتخلص من الذين أفسدوا الحياة السياسية ولكن مبارك تأخر كثيرا فى إدراك ما يراد به وما يراد بمصر وما يراد بالعالم العربى كله من خلال ما كان يعرف بالخريف العربى الذى أرادوا معه اسقاط مصر ومن بعدها يتوالى اسقاط بقية الدول العربية تباعا ويصبح الطريق ممهدا لنظام جديد فى المنطقة.
>>>
ولأن مبارك لم يستوعب الأحداث جيداً فقد اختار الطريق السليم بالتنحى ومنع إراقة الدماء وقرر أيضاً البقاء فى مصر رغم محاولات دول عربية استضافته وتأمين إقامته.
وبرحيل مبارك بدأت الفوضى الخلاقة التى تحدثت عنها كونداليزا.. فمبارك لم يسقط وحده.. وإنما انهارت الدولة المصرية الرسمية وأصبحت الفوضى عارمة بعد أن اختفى كل مسئول خوفاً من المحاسبة ومن العقاب ومن المجهول.. وأصبحت الأيدى مرتعشة فى اتخاذ أى قرار.. وضاعت هيبة الدولة ومركزيتها وأصبح أى قرار يتخذ فى ميدان التحرير بصيحات المحتجين وشعاراتهم.. وتحول مركز الثقل إلى ميدان التحرير فى أيام ضاعت فيها بوصلة التوجه والتوجيه.
وتلفت الشعب حوله يبحث عن الأمن والأمان.. يبحث عن معالم للطريق.. ويتساءل عن الغد بخوف وقلق.. فلا دولة.. ولا شرطة ولا برنامج ومطالب واضحة ترسم أسس التغيير المنتظر..!
ولم يكن هناك إلا القوات المسلحة المصرية.. المؤسسة الوحيدة التى ظلت صامدة تحافظ على قواعدها النظامية وقيادتها الوطنية وأولوياتها فى حماية أمن واستقرار الوطن.
وظهر الجيش فى الميدان.. واطمأنت مصر.. رجالاتها أعادوا إليها الثقة ومنعوا انتشار الفوضي.. وقفزت الجموع الشعبية فوق الدبابات ترفع أعلام مصر وتحيى رجالات مصر فى مشاهد لا تنسى من التلاحم بين الجيش والشعب فى أدق مرحلة عبرت فيها مصر التى كانت على وشك السقوط فى بحر الظلمات.
>>>
ولأن الجيش استعاد زمام الموقف ولأن الحشود بدأت فى مغادرة ميدان التحرير فإن المسرح أصبح مهيأ للبحث عن قيادة جديدة لمصر لتنفيذ مطالب التغيير والإصلاح.. وان كل القوى السياسية بعد حل الحزب الوطنى لم تكن مستعدة أو جاهزة للمرحلة السياسية الجديدة فإن جماعة الاخوان وحدهم كانوا فى الساحة يخاطبون البسطاء ويدغدعون مشاعر الجماهير ويتحدثون عن الحل السحرى الذى يملكونه لحل مشاكل مصر.
وعندما صعد الاخوان إلى الحكم فى ظروف يطول الشرح والتحليل فيها فإن المجلس العسكرى الذى أشرف على هذه المرحلة الانتخابية وجد فيها الفرصة لكى يتعرف الشعب على اسلوب الحكم الجديد للاخوان وعلى أجندتهم السياسية.
ومرت مصر بعام لم تهدأ فيه الحياة وبتنا على وشك الوقوع فى مصيدة الفتنة الداخلية والانقسام بين أبناء الوطن الواحد.. عام قضته مصر تبحث عن النجاة من منحدر شديد الانحدار تساق إليه.. ففى الحكم مجموعة من الهواة الذين ينفذون مشروعا خاصا بهم على حساب المصالح الوطنية المصرية.. وفى الحكم مجموعة يتخفون وراء الستار الدينى لإرهاب معارضيهم وإبعادهم وعزلهم عن المشاركة والتأثير.. وفى الداخل يتوالى الفشل تلو الفشل فى البرنامج السحرى الموعود لحل كل المشاكل والقضايا..!!
ووجد الشعب ان الاستمرار فى نفس المسار يعنى الخراب ويعنى الدمار.. ويعنى الانقسام ويعنى استمرار الفوضي..!
والشعب أصدر القرار.. كفاية.. يعنى كفاية.. والبسطاء قبل المثقفين رفعوا الشعار.. والشعب لا يريد حكم المرشد.. والشعب يؤيد حركة تمرد وجبهة الإنقاذ.. الشعب كله فى الشوارع يعلن الرفض ويطالب الاخوان بالرحيل.
وفى 30 يونية من عام 2013 كانت ثورة الشعب المصرى ضد سياسات جماعة الاخوان.. كانت ثورة الإنقاذ لتصحيح المسار وتأسيس الجمهورية الجديدة.. وانحاز الجيش المصرى كعادته إلى شعب مصر.. وقام الجيش بحماية الشعب فى ثورة الملايين التى خرجت إلى الشوارع تقول كلمتها وتفرض إرادتها فى ملحمة وطنية نتذكرها فى هذه المناسبة ونعيد التأكيد على معانيها.. مصر للمصريين.. مصر تقود ولا تقاد.. مصر تبنى ولا تذمر.. مصر تصون ولا تهدد.. مصر فى الأمن والأمان وحائط الصد لكل العرب والعروبة.. مصر هى التى أوقفت مخطط الانهيار الذى كان معدا وجاهزا لكل الدول العربية.. مصر التى تتصدى لإرهاب منظم كان يستهدف انهيارها من الداخل.. مصر التى تبنى فى ظروف بالغة الصعوبة جمهورية جديدة متكاملة الأركان فى مشروع وطنى طموح لرئيس جاء بإرادة وتكليف شعبى بأهداف واضحة لإعادة البناء بأسس واقعية بعيدا عن الشعارات والتخدير.. مصر التى تعيد اكتشاف مواطن القوة والتأثير الكامنة فى أعماقها.. مصر التى نفخر جميعا باستعادتها وعودتها فى 30 يونية 2013.