«عملية الزمالك».. إبداع على أرض الواقع
سجل يا تاريخ كيف تحركت جموع أهل الفن والثقافة إلى الشارع وقد استشعروا أن البلاد يتم اختطافها و«اخونتها» فى معظم القيادات والمناصب العليا ابتداء من رئيس الحكومة.
هجروا المكاتب والاستديوهات وحاصروا وزير الثقافة «الإخواني» وخاف الاقتراب من مكتبه.
أهل الفن صنعوا أهم المشاهد الواقعية فى تاريخ البلاد.. فقد قرأوا القصة جيدا.
اختلط كتاب الرواية والقصة والمسرح.. والممثل بالمخرج بالإعلامى بالمصور والمونتير والمنتج.. تشابكت ايديهم وسبقوا جموع شعب المحروسة.. يعلنون «التمرد» على حكم تجار الدين.. الذين خدعوا الناس قبل الانتخابات فلما وضعوا ايديهم على الحكم.. ظهرت نواياهم مبكرًا.
فهل يمكن أن نصف 30 يونيو بانه العمل العظيم الذى تكاتف الشعب مع الجيش فى كتابته واخراجه وبطولته تركوا النجومية فى البيوت ونزلوا كجزء من الكيان الوطنى وكانت عملية الزمالك.. ابداعا على أرض الواقع حيث اتجهوا إلى مبنى وزارة الثقافة يسألون الوزير المجهول علاء عبدالعزيز من أنت؟ والوسط الفنى يعرف بعضه البعض جيدًا عن قرب وأن أهل الفن فى أوائل يونيه نادوا على جيش بلادهم.. وكان على الفور ملبيًا للنداء مستجيبًا لإرادة شعبية يشهد عليها ميدان التحرير والملايين التى احتشدت فى ارجاء مصر حتى بدأت مساجد وكنائس واستديوهات ومطابع البلد.. يكفى الصورة التى سجلت هذه اللحظات بصرف النظر عن اسماء من فيها لان اللحظة أكبر وأجل من الجميع.
المسيرة
تشابكت الأيدى وانطلقت المسيرة الكبرى من احضان ميدان التحرير.. وإلى مقر وزارة الزمالك.. والحقيقة أنها شملت البلاد كلها.. وكانت كاميرا خالد يوسف حاضرة عندما دقت ساعة الميدان فى 30 يونيو وسجلت من أعلى كيف خرجت الملايين والجميل والمدهش أن غالبية الجموع كانت من الذين يشاركون لأول مرة فى المظاهرات.. فقد استشعر الكل بالخطر وقد شاهدوا القتلة والمخربين يعتدون على الكنائس والمساجد والأبرياء وقد جن جنونهم لأنهم وقعوا فى المصيدة مبكرًا قبل أن تسقط مصر فى بحر الظلمات معهم وبهم بل وبالكل.. وكانت هناك قوى خارجية تقوى ظهرهم وتساندهم.. لكن عيون رجال الجيش والشرطة حرست الوثائق.. والاسرار وافتدتها بالارواح.. والمشاهد التى تم عرضها فى اطار مسلسل الاختيار لا تستمد قيمتها من التوثيق فقط.. لكنها تؤكد كيف كان هناك من يعمل وسط حالة الغليان ويحرس كل وثيقة.. يمكن أن تمتد إليها يد الخونة واللصوصية للمتاجرة بها ضد وطن يعيشون على خيره وعلى ترابه.. لكن للأسف فى عقيدتهم الفاسدة «حفنة من التراب العفن».
فى الرباعية التى تشرفت بكتابتها عن 30 يونيو عن أبعاد المؤامرة تنزل معهم لان الهوية الوطنية لا يمكن المتاجرة بها والتلاعب فى ثوابتها الراسخة من آلاف السنين.
الموضوع هنا لا يمكن حصره فى مجموعة اسماء معروفة كانت حاضرة فى المشهد.. لان أرباب الاقاليم تحركوا أيضا فى نفس اللحظة واستمر التصعيد والمطالبة برحيل الرئيس الاخوانى الذى جاء بالأهل والعشيرة وحولوا قصر الاتحادية إلى قهوة بلدى وان كانت البلاد وقتها فى حقيقة الأمر تدار بالريموت كنترول يمسك به جناب المرشد.. فى مبناهم الرئيسى بالمقطم.. وهو أيضا لم يسلم من هجمات الشباب والكبار.. حتى انهم فروا إلى ميدان رابعة ولوثوا الاسم الصوفى الروحاني.. بأفعالهم واسلحتهم واعتصامهم الدموى وقد هددوا علنًا بحرق الأخضر واليابس وتدمير كل شيء.
و يجب ألا ننسى كم دفعنا من شهداء طوال معركة الدولة مع الإرهاب فى السنة الانتقالية التى تولى القاضى الجليل عدلى منصور شئون البلاد بحس وطنى ونبل بديع فى وقت ما اصعبه.. وما أعظمه.
ثم توالت الأعمال الدرامية التى تحاول أن تحكى وامتزج فيها المشهد الواقعى الحقيقى مع المشهد الدرامى المصنوع فى أسلوب فنى اندهش له البعض لكنه ادهش اصحاب العقول المستنيرة الذين يعرفون بانه من الاساليب المتعارف عليها وقيمة الفن العليا انه فابريكة الخيال والرؤية بعيدة النظر من وحى الواقع وكيف تحول الانفلات إلى معجزات ثم اطلق شمس مصر الحديثة أو الجمهورية الجديدة.
ومن أهم ما جاء فى سلسلة وكتب هذه ما أخذته من كتاب مهم جدًا بعنوان «مسجد فى ميونخ» صور فى سلسلة مكتبة الأسرة ويكشف مؤلفه «أيان جونسون» قصة التنظيم الدولى للإخوان الذى بدأ فى ميونخ بألمانيا تحت غطاء بناء مسجد جمعوا على حسه الملايين وصنعوا تنظيمهم الدولى وكان وزير ماليتهم يوسف ندى الذى يسكن على أروع بحيرة فى سويسرا.. حتى اصبحت لهم اذرع عديدة فى أكثر من عاصمة وكان قانونهم الغاية تبرر الوسيلة فهل نسينا كيف سرقوا محلات الذهب.. ولأجل شراء السلاح واستخدموا تجارة المخدرات كغطاء أيضا فى نفس الطريق.. إلى جانب القتل والتخريب وهو ما يحتاج إلى عشرات الأعمال الفنية بعد السنوات التى مرت.. وأهم ما أنادى به كمؤلف الكشف عن قصص أهلنا فى ارجاء مصر وكيف تفاعلوا مع ثورة 30 يونيو بالقلب والحضور والمشاركة والتأييد.. ألم أقل لكم من قبل ان هذه النعرة هى أروع ابداع جماعى لشعب.. يعرف أن أرضه مباركة ومحروسة من المولى سبحانه وتعالى وقد تجلى عبر جبال سيناء المقدسة.. ونحن ننتظر المزيد من الأعمال عن هذا الحدث الاستثنائى فى عمر البلاد والعباد.