يبدوا أن ثقافة الفهلوة التى ضربت بجذورها فى أعماق المجتمع منذ عقود وباتت ثقافة شبه معتمدة ومسكوتا عنها فانتشرت فى كثير من مناحى حياتنا ، ربما نجح الكثيرون فى اكتشاف ظاهرة « الفهلويزم » واكتفوا بالحذر أثناء التعامل مع « الفهلوية الجدد « لكنهم لم يحاولوا مواجهة تلك الظاهرة ثقافيا وأخلاقيا ومجتمعيا، وحتى لا أكون مبالغا فيما أقول، أدعوكم جميعا إلى النظر بتجرد فيمن حولكم فى البيت أو العمل او المقهى او النادى أو حتى المسجد، قيّموا أحاديثهم وحكاياتهم مع حرب القضايا اليومية البسيطة وصولا إلى قضايا المناخ والصراع اليابانى الصيني، ستجد الجميع يتحدث بثقة واقتناع فى كل الأمور وهو لا يعلم أنه لايعلم، فإذا سألت أحدهم عن عنوان مكان معين ستجده يسارع فى الوصف رغم انه لا يعلم، ربما يخجل هؤلاء من قول « لا اعرف « وربما فرط « جدعنة مزيفة « وبنفس الطريقة تجد من يتبرع باصلاح هاتفك او سيارتك وهو لا يعرف الفرق بينهما، نفس الفهلوة وقواعدها فى التعامل مع القضايا العامة والأزمات الكبيرة، ستجد من « يفتى ويهرى « دون ادنى معرفة، ستجد قواعد الفهلوة انتقلت إلى مكاتبنا ودورنا وأفكارنا فى كثير مما جرى ويجرى بطول البلاد وعرضها من عمل دؤوب وجهد خارق لتغيير واقع الناس وتدشين جمهورية جديدة لم يواكبه الجهد الكافى لتغيير السلوك الجمعى للناس تجاه قضايا وأمور كلاسيكية لا تحتمل التأجيل، لقد سادت ثقافة الفهلوة وتجذرت وبات لها منظرون وحواريون ومبررون وصارت هى عنوان العقود الماضية وللأسف وصلت مناهجها إلى كل المجالات بدءا من الأسرة وصولا إلى العديد من المؤسسات التى لا تحتمل وجود هذه الثقافة بين جنباتها، فالغش الجماعى ومحاولات تسريب الامتحانات والوقوف امام اللجان بمكبرات الصوت لحل الامتحانات وسط فرحة غامرة من الآباء والامهات والاهالى والقيادات الشعبية والمحلية والعمد والمشايخ والمعلمين أيضا هى قمة ثمار الفهلوة والواسطة والمحسوبية والاهمال والانامالية، من هنا ظهرت لدينا ثقافات متراكمة من الفوضى فالتلميذ الغشاش سينجح وهو لا يستحق النجاح ويكبر ويصير مدينا لفلسفة الغش التى أوصلته الى الجامعة وأدخلته سوق العمل وكونت له عش الزوجية وحقق ما يريد من خلال عبوره الرشيق على جسر الفهلوة فلن يستمع الى مواعظنا وارشاداتنا ومقالاتنا، فجماعية الفهاوة جعلت عكسها منبوذا وخارج السرب، فالفهلوة للأسف منتشرة فى كافة مناحى الحياة، حتى اذا حاول احدهم التوبة والعودة الى تعاليم الله يبحث عن واسطة بينه وبين الخالق الأعظم ثم يبحث عن كارت توصية كى يذهب لاداء الحج او العمرة ! حالة انفصام مجتمعى بين ما نردده أمام الناس وما نفعله بيننا وبين أنفسنا، ونحن نقرأ كثيرا قوله تعالى: « لم تقولون ما لا تفعلون» كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون، لقد سقطت ورقة التوت عن عورة الكثيرين وأتذكر قوله تعالى « أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ «، ما هذا العبث الذى أصاب مجتمعنا ؟ وما هذا الكم من العطب الذى ضرب مفاصلنا ؟ هذه الثقافة الخربة تحتاج الى احلالها بثقافة جديدة محترمة تليق بحضارتنا وتاريخنا وثوابتنا التى تحولت الى متغيرات، فلتخرج نخبنا وأحزابنا ومؤسساتنا ومفكرونا من قمقم الإنكار الى آفاق المواجهة الثقافية للفهلوة وأخواتها .