حقا جزى الله الشدائد كل خير، ففى وقت الشدة تظهر معادن الرجال، وفى أوقات الأزمات يحدث الفرز التلقائى للرجال الحقيقيين ويظهر أشباه الرجال وأنصافهم على حقيقتهم ، وقت الأزمة وساعة الشدة نجد من يعبدون الله على حرف ومن ينتمون للوطن على شرط، أزمة الكهرباء كانت كاشفة للمزايدين والمأجورين الذين يتنطعون فى مجالسهم وبرامجهم بهدف دغدغة مشاعر الجماهير، فالجماهير غاضبة من قطع التيار الكهربائى لكنها فى نفس الوقت قلقة على بلدها وتريد ان تطمئن وترى فى الأفق حلولا جذرية كما تعودت تلك الجماهير من الرئيس السيسى الذى يحمل على كاهله ما تنوء بحمله الجبال، مصر جميلة وفيها حاجات حلوة، مهما كانت الأزمات والصعوبات والكوارث، ما زال المصريون يعشقون مصر ويعتزون بمصريتهم وسيستمر هذا الاعتزاز إلى قيام الساعة، لم ولن تؤثر كل تلك الأزمات على مصرية ووطنية وصبر كل المصريين الوطنيين، قد يشعرون بالضيق والضجر والزهق ويعبرون عن شعورهم بأكثر من طريقة، تبدأ من الشجار والهجوم على الحكومة ورفع شعارات الحكومة فين؟ ولازم التغيير وصولاً إلى إطلاق النكات والقفشات والضحكات، وعندما تستمع وتتابع هؤلاء الغاضبين تظن أن الدنيا قد اسودت فى أعينهم واستبد بهم اليأس والقنوط، لكن ومع أول بارقة أمل أو بؤرة ضوء فى نهاية النفق تجد هؤلاء الأشخاص أنفسهم وقد غمرهم الأمل والتفاؤل واختلفت نظرتهم إلى كل شيء، إذن أنت أمام شعب «يرضى بقليله» كلمة واحدة طيبة ترضيه لكن المهم إياك والاستهزاء بذكاء هذا الشعب، فهو شعب يفهمها وهى طايرة، وبالبلدى «محدش يضحك عليه»، وبالشبابى «محدش يقدر يشتغله»، فهذا الشعب له مفاتيحه، من يمتلك هذه المفاتيح يستطيع أن يتسلل إلى تلك الشخصية المصرية الفريدة، فالشخصية المصرية التى تحمل علامات وآثار حضارات آلاف السنين تختلف عن أى شخصية أخرى فى العالم، عندما نسافر خارج مصر ونتعامل مع الآخرين نتذكر هؤلاء الناس الطيبين أبناء الشعب المصري، المصريون– حتى لو كانوا يعانون فقراً وعوزاً– يتسمون بالكرم وحسن استقبال الضيوف، فالغريب لا يشعر بأنه غريب بل العكس تماماً فالمصريون يحتفون بالأجانب أيما احتفاء، والمرأة المصرية حكاية مصرية تدعو إلى التأمل، فهى الصبورة التى تتحمل وهى الطيبة التى تحتوى وتلم وتجمع الأسرة، هى المدبرة والموفرة، هى الأم والأخت والزوجة والابنة، لكن كل ما حدث للشخصية المصرية هو رتوش بسيطة فى القشرة الخارجية، تغيرات طفيفة لم تصل إلى اللب لم تصل إلى القلب، لذلك أنا لست قلقاً مهما حدث، لأننى أرى أن مصر الآن وفى ظل هذه الظروف المحيطة ما زالت دولة «عفية» وشعباً «حيوياً»، مصر أكثر من 100 مليون مصرى يعيشون ويأكلون ويشربون ويذهبون إلى أشغالهم، حياة المصريين تسير بشكل طبيعي، الأفراح لم تتوقف، الفسح والخروجات وأماكن الترفيه والتسلية ودور العرض السينمائى والمولات الضخمة كل شيء يعمل وكل شيء طبيعي، انظر إلى كورنيش النيل سواء فى القاهرة أو فى المحافظات، انظر إلى كورنيش الإسكندرية، وشواطئ البحر الأحمر والقرى السياحية، انظر إلى وسائل النقل والمواصلات، انظر إلى القاهرة وقت الذروة، انظر إلى الجامعات والمدارس والأندية، انظر إلى المصانع والشركات، لن تجد إلا دولة عفية فتية قوية بناسها الجدعان الطيبين، مصر بشعبها لن تموت، تمرض لكنها لن تموت، دولة غير قابلة للكسر مهما تعاضدت المحن والأزمات .