المشكلة «مزمنة» يعانى المجتمع منها منذ زمن طويل.. وهى «ندرة الدم» الذى يحتاج إليه المريض لإنقاذ حياته من الموت ـ لا قدر الله ـ عند أى حادث مرورى أو فى ظروف صحية طارئة أو ضرورية عند إجراء العمليات الجراحية ما يفرض نقل كمية من الدم تماثل «فصيلته» التى قد تكون هى «أيضاً» نادرة.
صحيح أن شهامة المصريين وإنسانيتهم تظهر دائماً فى الظروف الحرجة والملمات الصعبة فى الحروب والكوارث والحوادث المفجعة التى يسارع الناس فيها للتبرع بدمائهم الأمر الذى يفى ويزيد فى مثل هذه الأحوال.. ولكن بصفة عامة فإن وفرة الدم فى المستشفيات وبنوك الدم ليست على ما يرام.. ونشهد ذلك خاصة فى حالات الطوارئ التى يمر بها البعض فى المستشفيات الحكومية حيث يفرض على أهل المريض توفير كمية معينة من الدم بأى طريقة سواء بتبرعهم الشخصى أو بالشراء بأثمان باهظة ومغالى فيها من أماكن بعينها أو حتى من مستشفيات خاصة تدبر هذا الدم لمرضاها وهى ضامنة أنها ستحصل على ثمنه أضعافاً مضاعفة وفقاً لأسعارها الفلكية التى اعتادت أن تتعامل بها مع «زبائنها» الذين تفترض فيهم الثراء خاصة فى ظل الرقابة والأسعار العادلة للعلاج والتى فشلت وزارة الصحة على مدى النصف قرن الأخير فى إيجاد حل لهذه المشكلة الأخري.
>>>
أما المشهد العام الذى يجسد صعوبة هذه المشكلة فإنى شخصياً ـ أراه يومياً عند خروجى من بوابة مترو الأنفاق من الخطين الثانى أو الثالث بمحطة العتبة.. حيث يقف بعض الموظفين الفنيين المسئولين عن توفير الدم بوزارة الصحة من المواطنين ركاب المترو فى محاولات ناجحة أو فاشلة أو يائسة من هؤلاء الركاب خاصة من الشباب خلال إقناعهم بالتبرع بالدم.. بدءاً من النداء عليهم «يا أستاذ» «يا آنسة» «لحظة من فضلك» ويستجيب القلة القليلة منهم وفقاً لإنسانيتهم أو لإحراجهم.. وإن نجحت المحاولة مرة مع شخص ما فهى من الصعب أن تنجح مرة أخري.. وذلك فى صورة مؤسفة تفضح صعوبة التعامل مع هذه المشكلة المزمنة المؤجلة والمتوارثة التى تترك دائماً للصدفة وللظروف كغيرها من المشكلات.
>>>
يحدث هذا رغم أن المشكلة لها حل ناجع وحاسم فكرت فيه وبدأت فى تنفيذه الدكتورة زينب السبكى التى كانت مسئولة عن بنك الدم على ما أتذكر فى حرب أكتوبر 1973 وكانت إحدى معاونات السيدة جيهان السادات عندما كانت ترعى أبطال الحرب من الجرحى فى المستشفيات.
وكانت الفكرة وقتها أن يكون لكل مواطن بطاقة خاصة به يسجل فيها تبرعه الاختيارى للدم وفقاً لفصيلته التى كانت مسجلة فى بطاقته الشخصية واختفت الآن مع الرقم القومي.. وبحيث يصبح للمواطن رصيداً من تبرعه مثبتاً فى السجلات الطبية يسمح له بالاستفادة منه عند الحاجة إليه خاصة أن كميات الدم ستكون متوفرة بكثرة لأن المواطن ـ بغض النظر عن إنسانيته وشهامته ـ يعرف أنه سيحصل على الدم الذى يحتاج إليه عند أى طارئ دون معاناة أو أثمان باهظة ولف ودوران أو لإجبار لأهله.
وأتصور أنه مع الرقمنة والتطور التكنولوجى الذى نشهده الآن فى كثير من إدارات الدولة أصبح الأمر ميسوراً والفكرة جاهزة ومؤهلة للتنفيذ.. فليس من المنطقى أن يكون هناك «كارت» للمواطن يحصل به على الخبز أو السلع التموينية التى تكفل له أمنه الغذائي.. ولا يكون هناك «كارت صحي» شامل لهذا الرصيد الشخصى من الدم لإنقاذ حياته عند الحاجة.. ويخصص حلاً لهذه المشكلة المزمنة المسيئة ولاسيما فى الحصول على الدم من محترفى التبرع مقابل أجر..!!
أعيد التذكير بهذا الحل القديم الذى وضعته الطبيبة الرائدة فى مجال الدم.. وأضعه أمام وزير الصحة فى الحكومة الجديدة الذى نتطلع معها إلى القضاء على الكثير من المشكلات المزمنة فى حياتنا.