منذ عشرين عاماً أو أكثر بعام أو عامين على ما أتذكر كنت صحفية متخصصة فى المجال الفنى وذهبت إلى تغطية فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى وكان من ضمن الأفلام المشاركة أول فيلم عراقى يتم تصويره بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين وهو العمل الذى جاء بشكل وثائقى يرصد معاناة أهل بغداد بسبب الحرب والدمار الذى ألقى بظلاله على كافة نواحى الحياة فيها.
الفيلم الذى اختار له مخرجه «عنان رجل الصحراء» اسماً كان يحكى عن رجل يعيش فى إحدى القرى الصحراوية ومرضت زوجته واحتاج لشراء الدواء لها فنزل إلى شوارع بغداد يبحث لها عن أى صيدلية دون جدوى فدلف إلى الأسواق عله يجد بينها ما يستعيض به عن الدواء ورغم أن مشهد السوق لم يأخذ عدة دقائق من الفيلم الذى كان يندرج تحت فئة الأفلام القصيرة لكن نظرات عنان بطل الأحداث كانت كفيلة بأن تنقل للعالم ما حدث فى العراق.
مخرج العمل استطاع من خلال عدة مشاهد أن ينقل رسالة العراق إلى كل دول العالمً.
أزعم أنى واحدة من عشاق السينما وهى وحدها القادرة على إحداث حالة من الانسجام الروحى عندما ألقى بكل أعباء الحياة خارجها لأسرح فى عالم آخر يرسمه شخوص الحكايات بداخلها.. تأسرنى ما بها من موسيقات تصويرية وتبهرنى الإضاءات وهى تلعب كمؤثر قادر على نقل الأحداث من منطقة لأخرى ولكن فى الآونة الأخيرة لم يعد لدور العرض نفس التأثير.
فقدت السينما بريقها بعد أن فقدت رسالتها ولم يعد لها تأثير بسبب بعض الأفلام التى هى مجرد مجموعة من الأفيهات والقفشات عجزت عن محاكاة الواقع والتأثير فيه حتى أن بعض الأفلام لم يجتهد صناعها لتقديم محتوى مختلف عن النص الأجنبى المقتبس وباتت معظم الأعمال تعتمد على قصة البلطجى الأسطورة.
لم أشاهد تلك الأعمال السينمائية المطروحة بمناسبة عيد الأضحى ولكن شاهدت الأرقام التى حققها بعضها والتى صنعت حالة من التباهى لصناعها لدرجة جعلتهم يعقدون المقارنات بينها وبين مجموعة من الأفلام كانت ولا تزال علامات فارقة فى السينما المصرية.
أحد تلك الأفلام والذى استوقفنى لعدة أسباب كان فيلم اسماعيلية رايح جاى أولاً لأن هذا الفيلم يشكل نقطة تحول فى تاريخ السينما المصرية ثانياً لأنه رغم أنه من الأفلام التى تصنف كوميدية إلا أنه نجح فى أن يحمل عدة رسالات أولاها تعزيز الانتماء من خلال الأخ الذى توفى وهو يدافع عن تراب الوطن والآخر الذى عاش يغار من شقيقه لكن عندما علم بإصابته فى حادث كاد قلبه ينخلع عليه وانطلق يسارع عقارب الساعة من أجل الاطمئنان عليه هذا بجانب تقديم نموذج الصديق الوفى فجاء الفيلم بتوليفة من الكوميديا لكنها مليئة بالقيم على عكس ما يعرض أحياناً بدور العرض من نشر للرذيلة وكافة أشكال التدنى الأخلاقى وإن كانت هذه حالة نعيشها فالسينما لا يجب أن يتوقف دورها على نقل الواقع ولكن يجب أن يمتد لإصلاحه.
رسالة لصناع السينما ابحثوا عن الإيرادات ولكن اصنعوا لنا حالة تحتفظ بجمال ومتعة المشاهدة من خلال قصة تبهرنا أحداثها وطريقة معالجتها.. قدموا لنا أفلاماً لا تجعلنا نخجل من مشاهدتها مع صغارنا.. اجعلوا أعمالكم إضافة لتاريخ السينما وليس انتقاصاً منها.. والدليل عندما قدمنا «الممر» و«السرب» كانت الرسالة والإيرادات استقيموا وأصلحوا ولا تفسدوا علكم تكونون أصحاب رسالة.