فى ظل الجرائم البربرية والوحشية واللإنسانية للاحتلال الإسرائيلى المجرم على قطاع غزة، وجدت أن الوقت مناسب أن انشر حديثاً سمعته وشاهدته عن إمكانية حل الدولتين، فى شكل مقطع فيديو على اليوتيوب، لمناظرة على القناة الرسمية لاتحاد طلاب جامعة أوكسفورد بانجلترا فى 25 يونيو 2016، وناطق باللغة الإنجليزية وقمت بتحويله إلى نص كتابي، ثم ترجمته إلى اللغة العربية، وهو للصحفى الإسرائيلى «جدعون ليڤي» وهو من مواليد 1953 بإسرائيل، ويجيد التحدث باللغة الإنجليزية، وله مقال رأى فى عمود أسبوعى فى جريدة هآرتس العبرية الإسرائيلية، وهو غالبا ما يركز على الإحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، وقد فازت مقالاته بعدة جوائز عن حقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وحصل على أكبر جائزة فى الصحافة الإسرائيلية عام 2021، وهى جائزة «سوكولوف». وهو المتحدث السابع من ثمانية مفكرين، وأهم ما فى هذه المناظرة، أنه فضح أكاذيب الاحتلال الإسرائيلي، ووصف الاحتلال الإسرائيلى بأنه أحد أكثر الأنظمة الاستبدادية وحشية وقسوة على وجه الأرض، ويجب أن ينتهى بطريقة أو بأخري، وأحد السبل هو حل الدولتين، ولكنه سيواجه كثيراً من المعوقات والصعاب، وتأتى أيضا أهمية عرض هذه المناظرة فى ملاءمة موضوع الحديث للظروف الراهنة، وأنها من الممكن أن تسهم فى تبنى إستراتيجية فعالة ضد الهجمة الصهيونية التى تحدث الأن، ولأن الحديث باللغة الإنجليزية فهو يخاطب المجتمع الدولى مباشرة.
والفقرة التالية تسرد هذا الحديث مترجم من اللغة الإنجليزية إلى العربية:
« أنا إسرائيلى ولدت فى إسرائيل، حتى أننى اعتبرت نفسى وطنياً إسرائيليا مخلصا، وأننى اهتم بالدولة ومتعلق بإسرائيل.
لقد قيل كل شيء تقريباً عن اقتراح حل الدولتين، وسمعنا وشاهدنا كل الأكاذيب، وكل الدعاية، وأيضا بعض الحقائق. ولكننى أعتقد أن الوقت قد حان لوضع حد لهذه المسرحية الهزلية التى بدأت منذ 50 عاماً على الأقل. وفى هذه المهزلة فرضان، وكلاهما كذب واضح وبين. الأول: وهى الكذبة الأولى أن لدى إسرائيل نية إلى قبول حل الدولتين، مع أن إسرائيل لم تكن لديها النية فى أى وقت من الأوقات لقبول حل الدولتين. إنها مفارقة تاريخية تقريباً، أن نرى الآن ممثلين رسميين لإسرائيل أصبحوا يدافعون عن حل الدولتين. ما الذى منعك لمدة 50 عاماً على الأقل من القيام بذلك؟ لماذا ذهبت لذلك؟ ماذا تنتظر؟ لماذا لم تذهب لذلك من قبل؟ وإذا لم يكن هذا كافيا، فإن كل من يبنى مصطبة واحدة فى الأراضى المحتلة، ليس لديه أى نية للمضى قدما فى حل الدولتين. وفى نفس الوقت لم تكن هناك حكومة إسرائيلية واحدة، توقفت ولو ليوم واحد عن بناء تلك المستوطنات الإجرامية، وهذا خير دليل. والثاني: وهى الكذبة الثانية هى أن الدولة الواحدة غير موجودة، ايها السادة، الدولة الواحدة موجودة الآن منذ أكثر من 50 عاماً. السؤال الوحيد هو أى نوع من الدولة هي؟ هل هى دولة ديمقراطية، أم دولة فصل عنصري؟ هذا هو السؤال الوحيد الذى لا يزال مفتوحا. و هؤلاء الذين أسسوا مشروع الاستيطان، أعلنوا ذلك بكل وضوح. سنبنى المستوطنات من أجل منع حل الدولتين. لقد دعمت دولة إسرائيل هذا المشروع دائما، على الصعيد الرسمي، وغير الرسمي، بالمال، وبالدعم السياسي، وبالدعم العسكري. إسرائيل بأكملها، وليس المستوطنون فقط، هى جزء من المشروع الاستيطاني. والمشروع الاستيطانى له هدف واحد هو منع حل الدولتين، هذا هو الهدف الوحيد للمشروع الاستيطاني. ومن الواضح أيضا وجود نوع من المصالح العقارية، لا شيء أكثر من هذا. لذا فإن الادعاء اليوم بأن إسرائيل تؤيد حل الدولتين، والادعاء اليوم أن هذا هو الحل الوحيد، كل ذلك أكاذيب. لقد كنت من أشد المؤيدين لحل الدولتين لعقود من الزمن. وبالمناسبة، كل من كان يتحدث عن حل الدولتين قبل 20 عاماً، كان ينظر إليه على أنه خائن، لأنه يؤيد حل الدولتين. الآن، عندما يكون حل الدولتين مستحيلا، أصبحوا يدعون إمكانية حل الدولتين، لأنهم يعرفون أن ذلك لن يحدث أبدا وحتى المتشددين يمكنهم أن يدعوا أنهم موافقون على حل الدولتين. ولم لا؟ حتى أن معظم الإسرائيليين سيقولون ذلك فى استطلاعات الرأي، ولم لا؟ لأنهم يعلمون أن هذا القطار قد غادر المحطة بالفعل ولن يعود أبدأ. لأنه لن يستطيع أحد إجلاء 700 ألف مستوطن أو أكثر. ولأن من دون إجلاء 700 ألف مستوطن أو أكثر، لن يكون هناك حل الدولتين. وكل أنواع الحلول الأخري، ليست حلاً حقيقياً. الصراع الآن لا يتعلق بالسلام، ولا يتعلق بالتماثل والتساوي. لانه لا يوجد تماثل. أود أن أقترح حتى أنه إذا كان لا يوجد صراع، هل كان هناك صراع جزائرى فرنسي؟ كان هناك احتلال فرنسى وحشى فى الجزائر، والذى وصل إلى نهايته. وليس هناك صراع فلسطينى إسرائيلي، هناك احتلال إسرائيلى وحشى يجب أن ينتهى بطريقة أو بأخري. وكان أحد السبل هو حل الدولتين، لأنه حل عادل. لقد فعلت إسرائيل كل ما فى وسعها لتدمير حل الدولتين، بطريقة لا رجعة فيها. والآن لم يتبق لنا سوى البديل الآخر، وهو الدولة الواحدة. والدولة الواحدة عمرها الآن أكثر من 50 سنة. ويتمتع المواطنون اليهود فى إسرائيل، بديمقراطية بها كثير من الخلل. أما النظام الثاني، وهو المواطنون الفلسطينيون، الذى يسمى بعرب إسرائيل، الذين يحصلون على نوع من الحقوق المدنية، ولكنهم يتعرضون للتمييز بشكل منهجي. وفى ساحتنا الخلفية المظلمة، يوجد نظام يعد اليوم أحد أكثر الأنظمة الاستبدادية قسوة ووحشية على وجه الأرض، لا أقل من هذا. وأنا أعرف ما أقول لأننى أغطيه لمدة أكثر من 40 عاماً، ولا يمكن تعريف هذا النظام إلا بأنه فصل عنصري. نرى شعبين يعيشان على قطعة أرض واحدة، وأنا أتحدث فقط عن الأراضى المحتلة، أحد الشعبين، لديه كل الحقوق فى العالم، والشعب الآخر ليس له أى حقوق على الاطلاق. يبدو كنظام فصل عنصري، وعليه علامات الفصل العنصري، لذلك هو نظام فصل عنصري، ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك. لا أحد عادل بما فيه الكفاية لينظر، ويذهب إلى وادى الأردن، ويرى الازدهار فى المستوطنات، ثم يذهب ويرى الفلسطينيين الذين يعيشون هناك بدون كهرباء، بدون ماء، دون أى حقوق، وبعد ذلك أخبرني، إذا كان هذا هو الفصل العنصرى أو قد تخترع له اسما آخر. ويجب أن ينتهى هذا الاحتلال، لأنه أصبح الآن يوجد جيل ثالث من الفلسطينيين يعيش فى ظله، وهذا الاحتلال غير مقبول فى القرن الحادى والعشرين. والطريقة الوحيدة لإنهاء هذا الاحتلال، هى البدء بالحديث عن المساواة فى الحقوق. لأن المستوطنين اليهود ينذرون ويحذرون بأنهم لن يرحلوا عن المستوطنات، والمشروع الاستيطانى مشروع إجرامي، لأنه لا تعترف به دولة واحدة فى العالم بما فيها ميكرونيزيا. مشروع الاستيطان فاز من حيث الكمية، بـ 700 ألف مستوطن أو أكثر، كما قلت لا رجعة فيه. والآن علينا أن نناقش ما هو البديل؟ والبديل هو خطاب جديد للمساواة فى الحقوق. وبعد ذلك أريد أن أسمع من إسرائيل، ما هو رد إسرائيل؟ لماذا لا تكون الحقوق متساوية؟ لأننا الشعب المختار، لأن الله وعدنا بشيء، لأننا الأفضل، لأننا نستحق المزيد. ما هو السبب الذى يمكن أن يعطيه المسئول الإسرائيلى لعدم وجود حقوق متساوية فى هذه القطعة من الأرض؟ وعلينا أن نصل إلى جوهر حل هذا الاحتلال، وجوهره هو المساواة، ليس السلام، بل المساواة فى الحقوق. واليوم الذى سيدرك فيه الإسرائيليون ويعترفون بأن الفلسطينيين يتمتعون بنفس الحقوق التى يتمتعون بها، سيكون هذا هو اليوم الذى سيتم فيه حل هذا الاحتلال. ومن ثم فإن كل تلك الأوصاف للحرب الأهلية، وهذه الفوضى والدولة الواحدة لن تنجح». وانتهت المناظرة.
ويتضح من هذه المناظرة، أن مشروع حل الدولتين وهو «حل عادل» والذى توافق عليه الرأى العام العالمي، ولكن سيواجه كثيراً من الصعاب والمعوقات، وأهمها إجلاء 700 ألف مستوطن إسرائيلى أو أكثر، وأما الحل البديل هو حل الدولة الواحدة، والذى أساسه المساواة فى الحقوق بين الشعبين الفلسطينى والإسرائيلي، وهذا لن يتحقق أبدا، فى ظل الاحتلال الإسرائيلى الذى يعتبر أحد الأنظمة الاستبدادية قسوة ووحشية وفصلاً عنصرياً على وجه الأرض، والذى لن يعترف بالمساواة فى الحقوق بين الشعبين مهما طال الزمن.
ويجب أن نعترف فى ظل الجرائم الوحشية البربرية واللإنسانية على قطاع غزة، قد تسببت فى تغيير خريطة التعاطف العالمي، خاصة من جانب الغرب نفسه، الذى انطلقت شعوبه فى تظاهرات بالملايين تدين تصرفات إسرائيل غير الأخلاقية، وتطالب بوقف الحرب ومحاكمة إسرائيل على جرائم الإبادة الجماعية التى ترتكبها ضد المدنيين الغزاويين، وليس هذا فحسب وانما دبت الخلافات بين الوزراء وكبار المسئولين الاسرائيليين حول التعامل مع الحرب ووجوب استمرارها أو إيقافها، وكيفية تحرير الأسرى وإجراء مفاوضات مع حماس أو العكس، وراح كل منهم يهاجم الآخر فى السر والعلن، بسبب الحرب التى تحولت إلى مسرحية هزلية.
ان توحيد الصف الفلسطيني، ووقف تآكل الضفة الغربية أمام المشروع الاستيطانى الإسرائيلى الاستعمارى الظالم، والبدء فى مسيرة حل الدولتين.
ولذلك، فإن تغيير هذا الواقع المؤلم، يتطلب استراتيجية مضادة قوامها القوة والمصالح، من جانب الدول العربية، والإسلامية، والإفريقية، والغربية المساندة للقضية الفلسطينية ضد هذا الاحتلال الإسرائيلى الغاشم، لنصل إلى حل الدولتين، لأنه الحل العادل لهذه القضية، وهذا ما يطالب به الرئيس عبدالفتاح السيسي، وصرح به إلى العالم أجمع.