فى كلمته خلال الاحتفال بعيد الشرطة هذا العام أثار الرئيس عبدالفتاح السيسى قضية مهمة عندما أعلن عن إنطلاق المرحلة الثانية من الحوار الوطنى مطالباً بأن يكون البرنامج الرئيسى خلاله عن الاقتصاد وإعطاء الفرصة للباحثين والمتخصصين فى عرض رؤاهم حول القضايا الاقتصادية المهمة التى تتطلبها المرحلة الحالية والتى من الممكن أن تساهم فى حل بعض الأزمات التى تتعرض لها البلاد حالياً.. كانت القضية التى أثارها الرئيس هى ضرورة أن تكون الحلول المطروحة قابلة للتنفيذ وذلك من خلال مراعاة الظروف المحيطة بالمجتمع.. بمعنى آخر فإن هناك فارقاً كبيراً بين التنظير والتطبيق.. حيث انه من السهل جداً أن أعرض أفكاراً كثيرة يتصورها البعض إنها الحل الأمثل لكافة المشكلات الاقتصادية التى تتعرض لها البلاد فى حين إنها عند التطبيق يكون من الصعب وأحياناً من المستحيل إمكانية تنفيذها لإنها مبنية على معطيات نظرية تختلف تماماً عن الواقع الذى نعيشه سواء من حيث عدد السكان أو قلة الموارد أو عدم وجود القدرة المالية اللازمة للتنفيذ وغيرها من المعوقات الواجب دراستها جيداً قبل طرح تلك الحلول النظرية التى لا تتفق مع الواقع.
استوقفتنى عبارة الرئيس عندما قال إننا وحتى 2020 كانت الأمور تسير بشكل مقبول حيث كانت الدولة تبذل جهودها لتحقيق مستقبل أفضل للبلاد على الرغم من أن بداية الفترة التى تولى فيها الرئيس إدارة شئون الدولة كانت الصورة تكاد تكون قاتمة حيث بلغت البطالة والتحديات والإرهاب أعلى المعدلات ومع ذلك فقد بدأ أولاً بالتصدى ومواجهة هذه التحديات الاقتصادية والأمنية وكذلك محاولات زعزعة استقرار البلاد من الداخل ومن الخارج ويوماً بعد يوم بدأت الأمور تستقر والنجاحات تتحقق ومعدلات الدخل تتزايد من عائدات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين فى الخارج وايضاً من تصدير الفائض من الغاز علاوة على افتتاح العديد من المصانع والمشروعات الإنتاجية الواعدة.. وانعكست جهود الدولة على إتاحة عدد من الفرص الاستثمارية الواعدة فى عدد من القطاعات الصناعية فأتاح التوسع فى اكتشافات الغاز فرصاً كثيرة بقطاع الطاقة والأسمدة والكيماويات وانعكس تطوير البنية التحتية الرقمية على تهيئة المجال لصناعة الإلكترونيات والصناعات التكنولوجية.. وفى ظل توجه الدولة نحو إستراتيجية مواجهة التغيرات المناخية تمت إتاحة عدد من الفرص فى مجال الصناعات الخضراء صديقة البيئة بالإضافة إلى فرص أخرى فى قطاع الصناعات النسيجية مع إطلاق الدولة خمسة محاور رئيسية لدعم تلك الصناعات تتمثل فى مشروع تطوير شركات الغزل والنسيج وخطة تطوير محالج القطن وتشييد مجمع الغزل والنسيج فى منطقة الروبيكى وتدشين أكبر مدينة لصناعة المنسوجات والملابس فى مصر وإطلاق منظومة جديدة لتداول القطن.. وحتى عندما تعرضت البلاد لجائحة كورونا شهدت الدولة الاستحواذ على أكبر عدد من مصانع الأدوية والمستحضرات الدوائية والطبية فى المنطقة العربية بعدد 158 مصنعاً وشهد النصف الأول من عام 2021 افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى أكبر مدينة دوائية فى منطقة الشرق الأوسط والتى من أهدافها إحلال الأدوية المصنعة فى تلك المدينة محل الواردات التى تمثل نحو 15٪ من إجمالى الاستهلاك المحلي.
يأتى هذا فى الوقت الذى قامت فيه الدولة بتحسين مناخ الاستثمار وتهيئة بيئة العمل للقطاع الخاص من خلال تعديل وتطوير تشريعى ومؤسسى وتقديم العديد من الحوافز أهمها… إعفاء 19 قطاعاً صناعياً من الضريبة العقارية منذ يناير 2022 ولمدة 3 سنوات وكذلك تم تيسير الإجراءات وإتاحة البيانات وإطلاق الخريطة الاستثمارية وزيادة قاعدة الشركات المستفيدة من الرخصة الذهبية.. ومع عدم إغفال أهمية تعزيز المنافسة ودعم الحياد التنافسى تم تنفيذ وثيقة ملكية الدولة لإفساح المجال للقطاع الخاص ليقوم بدوره فى دفع النمو وتحقيق التنمية الاقتصادية بالإضافة الى فتح قنوات تواصل مع رجال الصناعة والمستثمرين فى كافة المجالات.
أتصور فى هذه المرحلة ضرورة أن يكون الشعب أحد أهم الأضلاع فى مواجهة الأزمات الاقتصادية التى تتعرض لها البلاد.. وهذا لن يتأتى إلا اذا وضعنا أمامه الحقائق كاملة وهو ما قام به الرئيس بالفعل عندما طرح أبعاد المشكلة ببساطة أثناء كلمته فى احتفالية عيد الشرطة والتى تمثلت فى ضرورة النهوض بالصناعة وتشجيع الاستثمار وتقليل الاستيراد وزيادة التصدير وذلك حتى يمكن جذب العملة الصعبة المطلوبة لاستمرار عجلة التنمية والصناعة وتوفير المتطلبات المهمة والضرورية وليست الترفيهية التى يحتاجها السوق المصرى وهو الأمر الذى سوف يترتب عليه رفع معدلات التنمية وتعظيم الدخل القومى والحد من الاستيراد ومحاولة الوصول الى الاكتفاء الذاتى فضلاً عن تعظيم القيمة المضافة على المواد الخام المحلية عن طريق التصنيع وإحلال المنتج المحلى بدلاً من المستورد وقطع الطريق على النزيف الدولاري.
من المؤكد ان المرحلة الثانية للحوار الوطنى سوف تهتم بملف الصناعة والاقتصاد فى إطار ما تتطلبه هذه المرحلة من تاريخ الوطن وبناء على طلب الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يبذل جهوداً كبيرة لمواجهة تلك الأزمات.. إلا أن هذا الأمر لن يتحقق إذا لم تتضافر الجهود لتحقيق ذلك.. ومن هذا المنطلق فإننى أطرح بعض الاقتراحات التى قد تفيد فى هذه المرحلة…
– أن المرحلة الجديدة للحوار الوطنى يجب ألا تكتفى بدعوة الأكاديميين المتخصصين فى تدريس المواد الاقتصادية نظرياً دون طرح الخطوات العملية لتنفيذها بل يجب أن يشمل الحوار من لهم تجارب حقيقية لمواجهة الأزمات التى تعرضوا لها وكيفية مواجهتها والتغلب عليها وتحويل خسائرها إلى مكاسب حقيقية وليست إلى أرقام زائفة.
– انه لا مانع من الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التى تعرضت لانتكاسات اقتصادية ووضعت حلولاً جذرية لحلها ونجحت فى ذلك مثل البرازيل والهند وماليزيا.. فإنه ليس من العيب أن نستفيد من تجارب الآخرين خاصة إذا كانت تلك التجارب حققت نجاحات ترتب عليها الخروج من أزماتهم فى كافة المجالات وليست الاقتصادية فقط وبالتالى فإنه من الممكن توجيه الدعوة للمتخصصين فى قضايا الاقتصاد والتنمية والإدارة لشرح تجاربهم الناجحة فى دولهم.
– ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المعطيات الاجتماعية والحياتية للمجتمع المصرى والتى قد تتعارض مع النظريات الاقتصادية الصماء.. وهنا أشير الى ما بدأنا به مقالنا اليوم أن هناك فارقاً كبيراً بين التنظير والتفعيل أو التطبيق إذا لم تتم مراعاة ثقافة المجتمع الذى سوف يتم فيه تطبيق الأفكار الرامية إلى حل المشاكل الاقتصادية.
– ضرورة العمل على الاستفادة من الطاقة البشرية الموجودة فى مصر والعمل على تشجيعها ورفع مستوى أدائها من خلال التدريب المتواصل على الأعمال التى تسند إليهم خاصة فى المشروعات التنموية التى تتم فى محافظتهم والبيئة التى يعيشون فيها.
– ضرورة العمل على تحسين مناخ الصناعة والإنتاج من خلال إعادة فتح المصانع المغلقة لأسباب مختلفة والتى بلغ عددها أرقاماً كبيرة تكفى لتحقيق نهضة صناعية كبري.
إن المرحلة القادمة هى مرحلة صناعية واقتصادية فى المقام الأول حيث تمثل الصناعة قاطرة للنهوض باقتصاد الدولة شريطة تكاتف الجهود والإخلاص فى العطاء والأمانة فى التنفيذ.
وتحيا مصر….