يخطئ ألف مرة من يتصور فى نزاع ما أنه يمكن ان يحقق نصراً مطلقاً على الطرف الآخر.. فقد يكسب جولة.. أو يتفوق لحظة.. أو يحقق بعض الأهداف.. لكنه فى النهاية.. لن يتحقق له مبتغاه.. حتى الدولة الأقوى سلاحاً واقتصاداً فى العالم دخلت حرب فيتنام دمرت ما دمرت وقتلت من قتلت وخسرت ما خسرت.. لكنها فى النهاية انسحبت.. واحتلت العراق وفعلت ودمرت ثم انسحبت.. وكذلك فعلت إسرائيل منذ نكبة 48 وأبشع المجازر ومرورا بكل الجرائم اللاإنسانية التى ارتكبتها ضد أصحاب الأرض والحق من الشعب الفلسطيني.. ولم يتحقق لها الأمن ولا مطامعها ولا أوهام الدولة الموعودة من النيل إلى الفرات.. وفى الحرب الأخيرة ضد قطاع غزة.. ومع نهاية الشهر التاسع من العدوان.. استخدمت قوات الاحتلال الإسرائيلى من قنابل الدمار ما يفوق قنبلتى هيروشيما ونجازاكى اللتين ألقت بهما راعى دولة الاحتلال وممولها اقتصاديا وعسكريا.. الولايات المتحدة الأمريكية وشنت غارات دمار لم تشهدها الحرب العالمية الثانية.. ومارست أبشع أنواع الإبادة على وجه التاريخ.. لا تتار.. ولا هكسوس.. اغتالوا وحرقوا كما فعلت إسرائيل.. ومع ذلك لم تحقق نصرا.. ولم تحقق أمنا ولا استقرارا.. وإنما أكدت حقائق وواقعا.. وأصبح يقينا لكل ذى عينين.. لن تسقط فلسطين.. حتى لو تخلص الاحتلال من حماس وقادتها- فرضا- ستبقى فلسطين.. فهى ليست «حماس» ولا «القسام» ولا كتائب القدس والجهاد.. ولا طوفان الأقصي.. فلسطين هى كل طفل صغير فى الأراضى الفلسطينية وخارجها.. مادام قلبه ينبض بالحياة.. ستبقى فلسطين.. وستبقى المقاومة.. وسيبقى الجهاد من أجل تحرير الأرض.. ولن تهنأ إسرائيل لحظة.. حتى وان امتلكت النووى والذرى طالما بقى الاحتلال وطالما بقى ترويع الآمنين.. وقطعا العنف يخلف عنفا.. على الجميع ان يدرك ان القوة لن تحقق الأمن أو الاستقرار.. ومهما فعلت إسرائيل.. ومهما امتلكت من قوة واستخدمت ما تملك من عتاد وسلاح.. فلن يتحقق لها الأمن ولا أوهام دولة من النيل للفرات.. بل لن يغمض لها جفن بأمن وأمان.. وان حقوق الشعب الفلسطينى فى دولة مستقلة آمنه.. هى الأمن الحقيقى للشعب الإسرائيلى قبل غيره.
أما الحقيقة الأخري.. أو الواقع الآخر الذى أكدته أحداث غزة.. ان إسرائيل باقية ما بقيت أمريكا وأوروبا.. وان السلاح الإسرائيلى لن ينفذ طالما بقى الامداد الأمريكى والأوروبي.. وان من يحارب إسرائيل فهو يحارب أمريكا بقوتها وأوروبا بتنوعها.. وفى حرب السادس من أكتوبر.. وبعد تفوق التخطيط المصرى والعبور.. ودحر الأسطورة الوهمية والجيش الذى لا يقهر.. بدأت أمريكا فى تسيير جسر جوى مباشر بالإمداد إلى مطار العريش لدعم الجيش الإسرائيلي.
>>>
لم يعد هناك «كلام» من وراء الستار.. ولم تعد هناك تصريحات مغلفة بسلوفان دبلوماسي.. وصار اللعب على المكشوف.. وقالها الرئيس الأمريكى على الملأ.. لو لم تكن هناك إسرائيل.. لأقمنا إسرائيل.. وصارح وزير خارجيته أنتونى بلينكن الدنيا بأسرها قائلا: لم أحضر إلى المنطقة وتل أبيب بصفتى وزيراً للخارجية وإنما بأصولى اليهودية.. ولم تخف الدول الأوروبية دعمها ومساندتها لإسرائيل خاصة بريطانيا وألمانيا.. وبات واضحا للقاصى والدانى زيف الشعارات التى يرددها الغرب عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.. ولم تعد المنظمات الدولية التى كنا نعتبرها دائما السند القانونى الدولى لكل المظالم الدولية.. وهى المرجع الأساسى لكل الخلافات التى تنشأ بين الدول الأعضاء فى المجتمع الدولى وفى المنظمات.. لم تعد المنظمات قادرة على فرض وتنفيذ قراراتها وإلزام جميع الدول بما تصدره من قرارات.. وشاهد العالم قرارات الجنائية الدولية ضد دولة الاحتلال التى لم تنفذ ولم تعرها إسرائيل اهتماما.. بل وسارعت أمريكا بالشروع فى معاقبة الجنائية ومحاصرة أعضائها بالعقوبات.
>>>
السؤال الذى يفرض نفسه.. ويدق الرءوس بعنف.. هل أمريكا حقا تريد سلاماً واستقراراً للمنطقة.. أم تمضى فى تنفيذ الواقع الجديد والخريطة الجديدة للشرق الأوسط.. وتدعم إسرائيل على الدوام رغم انتهاكها الصارخ لكل المواثيق الدولية والإنسانية.. مع كامل التقدير لكل الجهود الدولية الساعية لسلام وأمن الشرق الأوسط.. فإن الكرة فى ملعب أمريكا.. وبامكانها وقف الحرب وإلزام إسرائيل.. لكن الواضح ان التصريحات شيء.. والواقع شيء آخر.. والشعب الفلسطينى يدفع الثمن!