فى مثل هذه الأيام قبل أحد عشر عاماً وتحديداً بتاريخ 22 يونيو 2013م، أقام أحد عناصر جماعة الإخوان الإرهابية دعوى رقم 57283 لسنة 67 ق، ضد كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم ورئيس مجمع البحوث الإسلامية ــ بصفاتهم ــ وشيخ الأزهر بصفته رئيس هيئة كبار العلماء، طالباً الحكم بوقف تنفيذ القرار السلبى من المدعى عليهم من الأول إلى الثالث عن اصدار قرار بالغاء النشيد الوطنى «ولقد شرح القامة الوطنية والقانونية المصرية الدكتور أحمد عبدالظاهر: أستاذ القانون الجنائى بجامعة القاهرة نص تلك الدعوى وعلق عليها فى دراسة ضافية تحمل عنوان: «النشيد الوطنى المصرى فى مواجهة الدعاوى الظلامية» وفى مقالنا هذا نستند إلى تلك الدراسة الرائعة.
فى صحيفة الدعوى الإخوانية، وشرحاً لدعواه، ذكر المدعى أن النشيد الوطنى للدولة باعتباره رمزاً للدولة المصرية، وبتحقيق بعض معانى عبارته، تبين مخالفتها لثوابت العقيدة الإسلامية الواجب اتباعها وعدم المساس بها، وذلك فى أربعة مواضع: «أولاً عبارة «مصر يا أم البلاد» حيث تتعارض مع أن مكة هى أم القري، وشرفها المولى عز وجل بقوله «أم القري» وتحقق الترادف اللغوى بين لفظى البلاد والقري، ومفهوم البلاد يشمل مكة المكرمة، ثانياً: «أنت غايتى والمراد» يتمثل عوارها فى أن مصر هى أقصى مبتغى الإنسان بالمخالفة لقوله تعالي: «قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين»، ثالثاً: عبارة «وعلى كل العباد كم لنيلك من آياد» إذ كلمة اليد بمعنى النعمة والاحسان، ومفهوم العبارة أن للنيل نعماً سابغة على الإنس والجن بمصر وغيرها من أجزاء المعمورة متعارضاً مع قوله تعالي: «وما بكم من نعمة فمن الله». رابعاً: عبارة «مصر يا.. فوق جبين الدهر غرة» يتعارض مع قوله تعالي: «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» بما مؤداه أن النشيد الوطنى مخالف مع أحكام الشريعة الغراء مما حدا به لاقامة دعواه الماثلة بطلباته سالفة البيان.
وبعد أن نظرت المحكمة الدعوي، وبتاريخ الثالث والعشرين من شهر يونيو 2015م، حكمت محكمة القضاء الإدارى الدائرة الأولى برفضها موضوعاً، وتسبيباًً لهذا القضاء، ورداً على الدفع المبدى بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى تأسيساً على أن المادة 223 من الدستور الحالى الصادر عام 2014 تنص على أن «العلم الوطنى لجمهورية مصر العربية مكون من.. ويحدد القانون شعار الجمهورية وأوسمتها وشارتها وخاتمها ونشيدها الوطني»، بما مؤداه أن النشيد الوطنى يحدده القانون، قالت المحكمة إن هذا «الدفع فى غير محله إذ إن التنظيم القانونى فى ظل دستور عام 1971، وما تلاه من إعلانات دستورية ودستور عام 2012 لم يعرف تنظيم النشيد الوطنى بموجب قانون، فضلاً عن أنه لم يصدر تفعيلاً لحكم المادة 223 من الدستور أى قانون يحدد النشيد الوطني، مما يعد معه النشيد الوطنى ولحين صدور قانون يحدده محض، عمل إدارى ويتوافر بشأن تنظيمه وتحديد مقوماته القرار الإدارى الذى يندرج فى الاختصاص الولائى لهذه المحكمة ويتعين والحال كذلك رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاصها وكذلك الدفع «بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى مع الاكتفاء بذكر ذلك الأسباب دون المنطوق»، أما فيما يتعلق بموضوع الدعوي، فقد قالت المحكمة فى أسباب حكمها: لما كان الثابت من الأوراق والجهة الإدارية تناولت بحث المطاعن التى وجهها المدعى للنشيد الوطنى وتكفل كل من مستشار اللغة العربية ومستشار التربية الدينية بوزارة التربية والتعليم بإعداد رد تفصيلى على كافة البنود التى نعاها المدعي، «إذ تضمن الرد على النعى الأول أن وصف مصر بأنها «أم البلاد» لا يعنى أنها أم حقيقية لكل بلاد العالم وإنما باعتبارها عراقة وجودها إذ تمتد حضارتها إلى سبعة قرون ولا ينال هذا المعنى من وصف القرآن الكريم لمكة المكرمة بأنها أم القري، إذا لا يتعارض هذا مع قدسية البيت الحرام، وبالنسبة للنعى الثانى فإن عبارة «أنت غايتى والمراد» يتمثل فى أن مخاطبة الشاعر لمصر بأنها غايته ومراده ولا تتنافى مع كون الله هو غاية المؤمنين، وبالنسبة للنعى الثالث فعبارة «وعلى كل العباد كم لنيلك من آياد» تتفق مع محاكمة لغة الشعر بالحقيقة والواقع، وبالنسبة للنعى الرابع فعبارة «فوق جبين الدهر غرة» توافق المعنى الحقيقى لعوامل البلاغة والأدب، وأكد تقرير مستشار التربية الدينية ذات النتيجة، ووجدتها المحكمة كافية وكفيلة بالرد على مزاعم المدعى مما تضحد معه الدعوى فاقدة لسندها القانونى جديرة بالرفض.
واستطاع القضاء المصرى الشامخ بثقافته وعلمه ووطنيته أن يحسم ويرد على إرهاب الإخوان فى أكثر من معركة ومنها معركة «النشيد الوطني» وتحريفهم لمفاهيم الدين وتعمد استخدامها لتحقيق فتنة واشاعة فوضى مع اجتزاء لآيات القرآن من سياقها العام الصحيح بالإضافة لبذر كراهية لقيم الوطن والوطنية ورموزها وفى مقدمتها النشيد الوطنى وذلك لكى يسهل عليهم تفكيك الوطن وتحوله إلى اشلاء ومزق متناثرة وإلى «شبه وطن» وتلك تاريخياً منذ نشأ جماعة «الإخوان الإرهابية» فى مصر عام 1928، هى المناخات التى فيها وبها يحيون ويزدهرون بإرهابهم للناس وخطفهم للدين وتشويه مقاصده، ومعانيه العظيمة.. لقد كانت احدى المعارك المجهولة مع تتار مصر العصر ودواعشه الجدد ونجحت مصر بشعبها وجيشها وقضائها فى القضاء عليه وشكراً للأستاذ الدكتور أحمد عبدالظاهر بتذكيرنا بتلك المعركة بالغة الأهمية فى مسيرة الوطن فى مواجهة الإرهاب.. حفظ الله بلدي!