رجعت مؤخراً من رحلة عمل لإحدى دول حوض البحر الأبيض المتوسط لم تستغرق عدة أيام لم أتمكن خلالها من زيارة أو مشاهدة ما تتمتع به هذه الدولة من وسائل جذب سياحية التى علمت من المسئولين هناك إنها تمثل حوالى 80 ٪ من الدخل القومى لها.. ولكننى أيقنت أن هناك عوامل أخرى أهم من الآثار والشواطئ والمطاعم التى تتميز بها هذه الدولة من أهمها «الابتسامة».. نعم هى تلك الابتسامة التى تشعرك أنك لست غريباً عن تلك الدولة حتى ولو كنت لا تتحدث لغتها.. فالجميع يحاول أن يساعدك بطريقة أو بأخرى على أن تصل إلى الفندق أو إلى أماكن الاجتماعات التى تسوف تشارك فيها.. بل ويسارعون الى ارشادك الى المطاعم التى تتحدث اللغة العربية وتتعامل مع الأطعمة الشرقية فى المقام الأول.. كانت الابتسامة هى سر نجاح التدفق السياحى غير المحدود التى تتمتع به هذه الدولة الصغيرة مساحة والقليلة سكاناً ولكنهم يعرفون كيف يجذبونك الى محبتهم والتعامل معهم طالما كان وضعك القانونى سليماً من حيث التأشيرة أو الإقامة أو السبب الذى من أجله حضرت إليهم.. إنهم يشعرونك بالسعادة ويجعلونك تفكر كيف ترد لهم ما يقومون به معك وذلك الشعور الذى ينقلونه إليك من اطمئنان وإرتياح منذ وقوفك أمام مسئول الجوازات حتى استلامك الحقائب ثم سيارة الأجرة التى تنقلك الى الفندق الصغير الخالى من أى مظاهر للفخامة أو البهرجة التى تراها هنا ومع ذلك يشعرك العاملون هناك أن هذا المكان هو ملك لك طول إقامتك فيه غرف بسيطة تطل على البحر ثم مشاركتك فى اختيار البرنامج السياحى الذى يتناسب معك حتى و إن عرفوا إنك فى مأمورية عمل ويستمر هذا الأسلوب الراقى حتى تغادر المكان … وأنت تتمنى أن تعود إليه عدة مرات حيث لاتوجد مغالاة فى الأسعار أو التصنع للحصول على بقشيش أو إتاوة.
إن السياحة أصبحت صناعة قومية لا تقل فى بلادنا عن أى صناعة أخرى بل أؤكد أنها تزيد فى دخلها حاليا عما تضخه قناة السويس التى تأثر دخلها حالياً بنسبة تصل طبقاً لآخر الإحصاءات الى 36 ٪ أى ان الدخل تناقص بنسبة 64٪ وهو الأمر الذى سيؤدى الى زيادة قيمة مرور السفن بنسبة كبيرة لتعويض الفارق و أعتقد إن ذلك سوف يؤدى الى البحث عن طرق ووسائل بديلة أخرى بدأت دول العالم حاليا تحاول ان تجدها وتسعى إلى إنشائها قريباً.
اننى أتابع حالياً وبكل اهتمام تلك الجهود الكبيرة التى تقوم بها الدولة للاهتمام بالسياحة فى مصر منذ إنشاء متحف الحضارات ثم المتحف الكبير الذى سيكون أيقونة المتاحف الأثرية فى العالم وصولاً الى هدية مصر للعالم وهو مشروع التجلى الأعظم على ارض السلام ومسار العائلة المقدسة.. إنها مشروعات لا يمكن أن تتحقق إلا فى بلادنا التى تتميز بكل شيء جميل حباها الله بها.. ومن المؤكد أن خبراء السياحة فى مصر لهم من الخبرات ما يجعلهم ينهضون بتلك الصناعة بالشكل الذى يجعلها الدولة الأولى فى العالم لما تمتلكه من مقومات لا يمكن أن تجدها فى أى دولة فى العالم ومع ذلك فالدخل القومى لتلك الدول من السياحة أضعاف أضعاف ما يتحقق لنا وأشير هنا على سبيل المثال لا الحصر الى أسبانيا وسويسرا وفرنسا واليونان.
لابد أن نعترف بأن الدولة المصرية تعمل بكل جهد وإخلاص لتطوير قطاع السياحة بحسبانه أحد أهم مصادر الاقتصاد الوطنى فها هى قامت بتطوير البنية التحتية السياحية بما فيها المطارات الإقليمية وتحديث بعض الفنادق وتعزيز الأمن فى المناطق السياحية لضمان سلامة السائحين عند زيارتهم لها.. كما أطلقت حملات ترويجية دولية مكثفة للتعريف بجميع انواع السياحة فى مصر سواء الثقافية المتمثلة فى 3/1 آثار العالم أو العلاجية أو الشاطئية والدينية لتشمل جميع الجنسيات والديانات كما ساهمت فى تنمية المجتمعات المحيطة بتلك المواقع السياحية .
دعنى أتساءل من منا لا يشعر بالسعادة عندما يشاهد السائحين الأجانب وهم يجوبون الأماكن السياحية فى الهرم أو الأقصر أو اسوان أو خان الخليلى ويقومون بتصوير تلك الأماكن الجاذبة.. من منا لا يشعر بالسعادة وهو يرى أتوبيسات شركات السياحة وهى تنقل المئات منهم فى شوارع القاهرة والمحافظات الأخرى ويلوحون بأيديهم لنا بما يشير إلى سعادتهم وفرحتهم بوجودهم معنا.. إذن ماذا ينقصنا لندعم تلك السياحة وتلك الجهود التى تبذلها الدولة.. أقولها وبكل بساطة ينقصنا.
1 – الابتسامة الصافية لهم.
2 – ينقصنا الشعور بالمسئولية ونحن نبيع لهم.
3 – ينقصنا أن نشعرهم بسعادتنا بوجودهم بيننا.
4 – ينقصنا أن تكون هناك مناهج دراسية مبسطة لطلبة المرحلة الابتدائية والإعدادية تشرح أهمية السياحة لبلادنا لسمعتنا فى الخارج وكيفية جذب السائح لنا مرات ومرات خاصة فى تلك المدارس التى يتردد على محافظاتها أعداد كبيرة من السائحين مثل أسوان والأقصر والفيوم على سبيل المثال لا الحصر.
٥ – ينقصنا الإيمان بأهمية كل فرد فينا وبأهمية دوره فى تنمية تلك الصناعة التى لا تحتاج إلى مواد صناعية بالغة التكاليف أو إلى خبرات نادرة…فهى فقط تحتاج إلى البساطة والابتسامة والترحيب لتجلب لنا فى النهاية السعادة.
كل عام وانتم ومصرنا الغالية بخير وسعادة وسلام .