بناء الإنسان.. ومعالجة التضخم.. والأسعار.. وتوطين الصناعة.. أهم ملفات الحكومة الجديدة
موازنة «2024 – 2025».. الأضخم «تاريخياً» لأول مرة .. سقف محدد لـ«الاستثمار الحكومى»
قال د. عبدالمنعم السيد رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية ان نظرة العالم الاستثمارية للاقتصاد المصرى تحسنت ولذلك فالمتوقع أن تزيد نسبة الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة القادمة غير أن
أن «معالجة التضخم وجذب الاستثمارات وتحسين الخدمات» هى أهم الملفات على مائدة الحكومة الجديدة.
أضاف السيد فى حوار مع «الجمهورية» أن مجلس النواب اقر أضخم موازنة فى تاريخ مصر تنحاز للمواطن حيث يمثل الدعم 23.5 ٪.
موضحـاً ان «مشروع تطوير منطقة رأس الحكمة» ليس مجرد مشروع استثمارى ولكن نموذج لـ «التنمية العمرانية المتكاملة.
> ربما ساعات ويتم الإعلان عن اسماء الحكومة الجديدة كيف تنظر إلى هذه الحكومة؟
– إعادة التكليف تؤكد ثقة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى دكتور مصطفى مدبولى فى تشكيل الحكومة الجديدة لأنه قدم خلال الفترة الماضية ما يثبت أنه مؤهل لقيادة الحكومة وتنفيذ رؤية الدولة خلال الفترة القادمة وفق المحددات التى وضعها الرئيس فنحن ونحتاج أن تكون لدينا حكومة كفاءات تتولى المهام فى ظل التحديات التى تواجهها الدولة والمنطقة بأكملها وأعتقد أن هذا ما يتم العمل عليه اختيار اسماء لديها خبرات وقدرات على تحمل الملفات الصعبة الفترة القادمة.
> ما أكثر الملفات اهمية على مائدة مجلس الوزراء القادم؟
– هناك العديد من الملفات منها تحدى ارتفاع الأسعار ومواجهة التضخم والديون والمستحقات المالية وجذب الاستثمارات المحلية والاجنبية وسط منافسة قوية مع العديد من الدول فى المنطقة وتوطين التكنولوجيا خاصة الصناعية والعمل على دخول الاتفاقيات الدولية التى وقعتها مصر مع الكثير من الدول مثل تجمع البريكس «حيز التنفيذ» وإدارة هذا الملف بشكل جيد.
مصر قامت بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية مع كثير من دول العالم وعلى سبيل المثال وقعت 63 اتفاقية مع الصين فقط بالاضافة الى شراكة استراتيجية مع كثير من الدول مثل «روسيا والصين والهند» وهذا فى حاجة الى إدارة جيدة لأنها ممكن أن تحقق مردودا اقتصاديا كبيرا.
> وما المطلوب من الحكومة الجديدة.. عقب حلف اليمين وتحمل المسئولية؟
– على الحكومة الجديدة العمل على تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين مثل استكمال مشروع «حياة كريمة» ومثل خدمات الصحة والتعليم والنقل وتقديم خدمة الكهرباء بشكل دائم بحيث تتحقق جودة الحياة للمواطن المصري.
> هناك ملفان مهمان التشغيل والتصدير.. هل نحتاج لجهد خاص فيهما؟
– هناك ملف مهم لابد تهتم به الحكومة الجديدة وهو حلم وصول الصادرات إلى 100 مليار دولار حيث انه حاليا 53 مليار دولار ويشمل الصادرات النفطية والسلعية والفرصة متاحة أمامنا للوصول إلى رقم الـ001 مليار دولار وأكثر ونحن نسير فى هذا الاتجاه لكن نحتاج مزيدًا من الجهد خاصة فى توطين الصناعة وتحديدًا التكنولوجيا وأيضا وخفض معدلات البطالة التى تصل حاليا الى 7,2٪ وهو ما يعنى زيادة نسب التشغيل خاصة ان سوق العمل يضاف له سنويا مليون شاب من خريجى الجامعات والمعاهد والدبلومات الفنية وهذا يحتاج زيادة حجم الاستثمارات والمشروعات لاستيعاب هذه الاعداد.
> وهل هناك ضرورة لوجود وزارة للاستثمار أو الاقتصاد فى الحكومة الجديدة؟
– اتمنى ان أرى وزيرا للاستثمار او الاقتصاد فى حكومة دكتور مدبولى الجديدة ويكون هناك تنسيق كامل بين مختلف الوزارات مثل الزراعة والتموين وبين وزارة المالية والتخطيط علما بأنه من توصيات الحوار الوطنى ان يكون هناك وزير يحمل حقيبة الاستثمار او الاقتصاد مع التأكيد على ضرورة تحسين جودة الحياة للمواطن المصرى الذى تحمل كثيرا فى تنفيذ خطوات الإصلاح الاقتصادي.
> وكيف تقرأ الموازنة العامة الجديدة «2024 – 2025» التى اقرها مجلس النواب مؤخرًا؟
– هذه الموازنة تعتبر الاضخم فى تاريخ مصر حيث إن حجم الإيرادات المتوقعة 2.6 تريليون جنيه وحجم المصروفات 3.9 تريليون جنيه وحجم العجز المتوقع 6٪ واهم ما يميز تلك الموازنة هو زيادة حجم الإنفاق على الخدمات والدعم بشكل كبير فهى بحق موازنة تحسن المستوى المعيشى للمواطن ونتمنى أن تسير الأمور دون عقبات أو أزمات مستحدثة.
> كان واضحا زيادة مخصصات الصحة والتعليم فى الموازنة الجديدة؟
– بالفعل تم تخصيص 496 مليار جنيه للصحة فى الموازنة الجديدة بزيادة 18٪ عن العام الماضى والتعليم قبل الجامعى 565 مليار جنيه والجامعى 293 مليار جنيه والبحث العلمى 141 مليار جنيه بزيادة 40٪ علما بأن الدستور المصرى وضع محددات للحد الأدنى للإنفاق على تلك الخدمات وهى 3٪ للصحة و 4٪ التعليم قبل الجامعى و 2٪ للتعليم الجامعى و1٪ للبحث العلمى بإجمالى 10٪ ولكن مصر حققت المخصصات الدستورية وزادت عليها بنسبة 7.5٪ بإجمالى حجم انفاق على الخدمات 1.5 تريليون جنيه بزيادة قدرها 280 مليار جنيه عن الموازنة السابقة وهذا يحسب بلا شك للقيادة السياسية والحكومة لان هذه الملفات مهمة طالما أننا نريد بناء جمهورية جديدة.
> وماذا عن اللافت والمختلف فى الموازنة العامة الجديدة؟
– لأول مرة تشهد الموازنة الجديدة سقفا للاستثمار الحكومى بحيث لا يزيد من الحكومة والهيئات الاقتصادية على تريليون جنيه ليسمح بدخول القطاع الخاص بحجم استثمارات لا يقل عن تريليون جنيه وهذا معناه فتح الباب بشكل كبير أمام القطاع الخاص.. وبالتالى الكرة الآن فى ملعب القطاع الخاص وعليه اثبات قدراته بالإضافة إلى وضع سقف للديون بحيث تمنع الاستدانة من الحكومة او الهيئات الاقتصادية الا بموافقة رئيس الجمهورية ومجلس النواب.
كما شهدت الموازنة الجديدة زيادة حجم الدعم بنسبة 20٪ ليصل إلى 636 مليار جنيه فى حين انه كان فى الموازنة السابقة 529.5 مليار جنيه كما شهدت الموازنة زيادة فى حجم الإيرادات غير الضريبية بنسبة 60٪ لتصبح 600 مليار جنيه والايرادات الضريبية شهدت زيادة بنسبة 30٪ لتصبح 2 تريليون جنيه وذلك نتيجة توسيع قاعدة المجتمع الضريبى بضم الاقتصاد غير الرسمى واتباع نظام الفاتورة الإلكترونية مما ساهم فى زيادة حجم الإيرادات الضريبية.
> كيف ترى المشروعات الاستثمارية التى نفذتها الحكومة فى السنوات الاخيرة ؟
– الفترة الماضية شهدت اتجاه الدولة نحو تشجيع وتمكين القطاع الخاص المحلى والأجنبى ونتجت عنه تنفيذ مجموعة من المشروعات الكبرى الاستثمارية مثل صفقة رأس الحكمة التى تعد شراكة استثمارية نموذجية بين مصر والإمارات حيث حصلت مصر بموجبها على 35 مليار دولار وسوف تحصل على 35٪ من عوائد هذا المشروع خلال فترة المشروع بالإضافة إلى 150 مليار دولار حجم استثمارات لتنفيذ اعمال المشروع التى سوف تتم بالإضافة إلى المشروعات الاستثمارية التى طرحتها الدولة والتى حققت 5.6 مليار دولار من برنامج الاطروحات اضافة الى إفتتاح مصانع لتصنيع الاجهزة الكهربائية ومستلزمات الإنتاج وكل هذه مؤشرات جيدة.
> وبرأيك.. ماذا عن مردود هذه المشروعات خلال الفترة المقبلة ؟
– تنفيذ مثل تلك المشروعات مهم جدا خلال الفترة المقبلة لان الاستثمار ليس هدفا فى حد ذاته ولكنه وسيلة لزيادة معدل التشغيل وتقليل نسب البطالة وزيادة الإنتاج والتصدير وتحقيق نتائج فعلية على ارض الواقع.
ومشروع تطوير منطقة رأس الحكمة مثلاً سوف يحقق تنمية لأكثر من 40 ألف فدان من خلال بنية تحتية وبناء مدارس وجامعات وفنادق وقرى سياحية ومطار بمعنى انه ليس مجرد مشروع استثمارى ولكن نموذج يحتذى به فى التنمية العمرانية المتكاملة والتشغيل.
> كيف ترى الحزم والحوافز الاستثمارية الواجب توافرها لجذب مزيد من الاستثمارات؟
– الدولة اتخذت مجموعة من الإجراءات خلال الفترة الماضية لجذب الاستثمارات أهمها تقديم حزمة من الحوافز الاستثمارية تتمثل فى اعفاء ضريبى 5 سنوات للشركات والمصانع بالنسبة للصناعات الاستراتيجية وخصم 50٪ من قيمة الأراضى الصناعية شريطة ان يتم بناء المشروع خلال نصف المدة بالإضافة إلى اعفاء السلع الأساسية مثل «الآلات والمعدات» التى يتم استخدامها فى عملية الإنتاج من ضريبة القيمة المضافة ورسوم الجمارك وهذه خطوات مهمة لكننا نحتاج مزيدا من التسهيلات من أجل تشجيع المستثمرين لأن حجم حركة رءوس الأموال فى العالم انخفضت لأكثر من 27٪ وهناك منافسة كبيرة بين الدول لجذب المستثمرين ولابد أن تكون لدينا مميزات اضافية نجذب بها الاستثمار.
> ما تأثير تحسن التصنيف الائتمانى لمصر فى جذب الاستثمارات؟
– معنى التصنيف الائتمانى ببساطة هو قدرة الدولة على سداد التزاماتها ومصر من الدول الملتزمة فى سداد اقساط وفوائد الديون حتى فى اصعب الاوقات والظروف وعلى سبيل المثال فى عام 2011 رغم التحديات التى مرت بها الدولة.
الا ان مصر التزمت بسداد ما عليها من اقساط وخدمة الديون والفوائد ومؤخرا قامت المؤسسات الدولية العالمية مثل فيتش وموديز برفع التصنيف الائتمانى المصرى عند مستوى B مع نظرة مستقبلية إيجابية مما يعنى ان العالم ينظر بشكل جيد للاقتصاد المصرى والنظرة الاستثمارية تحسنت ولذلك يجب على الدولة المصرية الاهتمام بالتقارير الصادرة عن هذه المؤسسات لان المستثمرين على مستوى العالم يطلعون علينا ويهتمون بما يتم نشره فى هذه التقارير الاقتصادية لاتخاذ القرار الاستثمارى السليم ونتيجة لتحسن التصنيف الائتمانى لمصر فإن الفترة المقبلة سوف تشهد زيادة الاستثمارات الأجنبية.
> قطاع الصناعة رهان مهم فى الفترة المقبلة، فماذا نحتاج لدعمه؟
– قطاع الصناعة أهم القطاعات التى تمثل قاطرة التنمية لأى اقتصاد والدولة التى تحاول تحقيق معدلات نمو وتنمية مستدامة عليها الوقوف على ساقين هما الصناعة والزراعة علما بأن قطاع الصناعة يعد عمود الخيمة وهناك اهتمام كبير فى مصر بالصناعة حيث تم انشاء 17 مجمعا صناعيا وجار انشاء 6 مجمعات صناعية فى المحافظات سيتم افتتاحها خلال العام المالى المقبل و3 مناطق صناعية اخرى بالإضافة إلى مشروعات البنية التحتية وتطوير الموانيء للمساهمة فى زيادة معدلات التصدير.
ويساهم قطاع الصناعه بنسبة 17,5٪ فى الناتج المحلى الاجمالى ويجب ان تكون هناك خطة طموح لزيادة نسبة مساهمة قطاع الصناعة الى 30٪ من الناتج المحلى الاجمالى على الأقل لتحقيق تنمية مستدامة خاصة ان 85 ٪ من صادرات مصر غير النفطية تأتى من الصناعة ونحتاج تعزيز توطين التكنولوجيا الحديثة وتصنيع المكون السلعى لتقليل فاتورة الاستيراد.
> لكن المشكلة تأثير الأزمات الاقتصادية العالمية على الدول؟
– العالم منذ 2020 يشهد تحديات اقتصادية كبيرة وازمات اثرت بشكل ملحوظ على الاقتصاد العالمى بصفة عامة والاقتصاد المصرى بصفة خاصة بداية من كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية ثم الحرب الإقليمية بين الكيان الإسرائيلى واهالى غزة إضافة إلى وجود أزمة حقيقية ايضا اثرت على الاقتصاد العالمى والزراعة وهى أزمة المناخ.
ومنظمة «فاو» أعلنت انخفاض فى المحاصيل الزراعية بحوالى 30٪ بسبب ازمة التغيرات المناخية وهذه الأزمة اثرت على الاقتصاد العالمى الذى انخفض الى اقل من 2٪ عن عام 2020 – 2021 ثم اصبح 2.8 ٪ خلال 2023 فى حين انه كان من المتوقع أن معدل نمو الاقتصاد العالمى خلال الفترة من 2020 الى 2023 يصل إلى 3.6٪ ولكنه انخفض الى اقل من النصف مما ادى الى زيادة معدل التضخم العالمي.
> فى ظل كل هذا.. كيف ترى تأثير الازمات العالمية على الاقتصاد المصري؟
– الأزمات الاقتصادية العالمية اثرت بشكل كبير على الاقتصاد المصرى حيث انخفضت معدلات السياحة وزاد معدل التضخم نتيجة زيادة فاتورة الاستيراد لتتجاوز 88.7 مليار دولار سنويا مما زاد العبء على الموازنة العامة بشكل ملحوظ خلال تلك السنوات الا ان الدولة استطاعت ان تعبر هذه الأزمات والتحديات بفضل السياسات الاقتصادية التى تم اتباعها فى تلك السنوات بل ونجحت مصر فى توفير مخزون للسلع الاستراتيجية لأكثر من 6 شهور واعتقد أن هناك خطة مستمرة لمواجهة تداعيات هذه الأزمة.. فالدولة الآن لا تتعامل بمنطق انتظار الأزمة وانما استباقها بإجراءات حمائية.