فى مدينة الأقصر توجد أكبر وثيقة تاريخية عرفها العالم والتاريخ، شارك فى إعدادها وبنائها 30 فرعوناً مصرياً وهى مجموعة معابد الكرنك التى تتكون من مجموعة من المعابد والبنايات والأعمدة حيث استمرت عمليات التوسع والبناء فيها منذ العصر الفرعونى وتحديداً إبان ملوك الدولة الوسطى حتى العصر الروماني.
فعلى الشط الشرقى للنيل بنى معبد للثالوث الإلهى آمون رع فى العصر الحديث، زوجته الآلهة موت وابنهم الإله خونسو حيث يوجد لكل منهم معبد ضمن مجمع هذا المتحف الضخم الذى يصنف بأنه الثانى على العالم الكرنك.. وقد أطلق عليه هذا الاسم نسبة لمدينة الكرنك وهو اسم حديث محرف عن الكلمة العربية «خورنق» وتعنى القرية المحصنة، وعرف المعبد فى البداية باسم «دير آمون» أى معبد آمون أو بيت آمون وخلال عصر الدولة الوسطى أطلق عليه اسم «بت سوت» والذى يعنى الأكثر اختياراً من الأماكن وترجمت أحياناً بالبقعة المختارة، وقد عثر على هذا الاسم على جدران مقصورة سنوسرت الأول فى البيلون الثالث.. كما أطلق عليه عدة أسماء اشتهر بها ولها علاقة بالمعتقدات المصرية القديمة التى كانت تقول إن طيبة هى أول مدينة تأسست على التلة البدائية التى ارتفعت عن مياه الغوص فى بداية تكوين الأرض، ففى ذلك الوقت طبقاً للمقولات القديمة وقف الإله بتاح أو أتوم على تلك التلة لبدء صنع الخلق، لذلك تم رفع المعبد فى هذه البقعة التى جعلت منه مرصداً عريقاً فضلاً عن كونه مكاناً للعبادة حيث يتفاعل الإله آمون مباشرة مع أهل الأرض.. ويقع معبد الكرنك فى البر الشرقى ومثل معظم المعابد المصرية القديمة كان محور المعبد شرق غرب، وكانت المعابد فى ذلك الوقت تعتبر نموذجاً للكون لذلك فإن تصميم المعبد يعكس مسار رب الشمس عبر السماء، كما ينفرد المعبد بوجود محور شمال ــ جنوب مواجهاً لمعبد آخر هو معبد الأقصر والمعروف قديماً «آمون إم أوبت» وقد تم ربط المعبدين بطريق الكباش الذى صمم فى صورة فريدة محفوفاً بتماثيل على هيئة أبوالهول.. وكان هذا الطريق يستخدم فى أحد أهم الاحتفالات بالتقويم المصرى القديم وهو عيد الأوربت.. وتضم صالة الأعمدة الكبرى الكرنك حوالى 134 عموداً وهى الصالة الأشهر والأكبر على مستوى العالم ويبلغ ارتفاع هذه الأعمدة الضخمة 15 متراً باستثناء الأعمدة الوسطى الاثنى عشر والتى يبلغ ارتفاعها 21 متراً.. ومن أشهر وأجمل ما يضم معبد الكرنك البحيرة المقدسة، تلك البحيرة التى تقع فى قلب المعبد والتى تعتبر سراً من أسرار المصريين القدماء بمياهها التى لا تجف طوال العام رغم بعدها عن نهر النيل ورغم مرور 3 آلاف سنة على وجودها منذ حفرت فى عهد الملك الأسطورة تحتمس الثالث سادس فراعنة الأسرة الـ 18 وحتى الآن.. وقديماً كان الكهنة يتطهرون بها قبل القيام القيام بطقوس المعبد، والآن يعتق نساء الأقصر بقدسيتها ويذهبون للتبرك بها.. وقد بدأ سنورست الأول بناء معبد الكرنك فى الفترة من 1971 ق م واستمر العمل فيه حتى 1926 ق م واستخدم الحجر الجيرى فى البناء كعادة المصريين القدماء فى ذلك الوقت.. ويعتبر عصر الدولة الحديثة هو العصر الذهبى للكرنك ويعود ذلك إلى ان ملوك الأسرة الثامنة عشرة هى أول أسرة فى الدولة القديمة اهتموا بعبادة آمون رع ليس ذلك فقط بل إنهم عبدوه كإله للحرب وبما ان الأسرة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة اشتهرتا بالتوسعات العسكرية فكان لا بد من الاهتمام بمعبده لأخذ البركة منه فى حروبهم.. ويصف الأثريون ذلك المتحف المفتوح المصرى الذى ينافس متاحف العالم بانه يتكون من عشرة صروح تشكل مع بعضها المعبد كوردة واحدة بناها فراعنة وملوك تعاقبوا على حكم مصر لمئات السنين ليسجلوا تلك الوثيقة التاريخية البديعة.