يستطيع الإسرائيليون أن يتعاملوا بألف ألف وجه تحت ألف ألف قناع، ويتراجعوا عن كلامهم وينقضوا عهودهم ويخالفوا المواثيق ولا يوفوا بالعقود، فهذا ديدنهم على مر التاريخ، تجدهم مثل الزئبق لا يمكن الإمساك بهم، فمع حرب الإبادة المستمرة على غزة والتى يهلكون فيها الحرث والنسل ويعيثون فى الأرض فسادا على مدى تسعة اشهر يقتلون الأطفال والنساء والمرضي، نجدهم يرفضون كل الإيدى الممدودة بالسلام.
ووسط الكراهية التى «يحظون» بها من العالم كله -ومن العرب خاصة- نجد المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاى أدرعى يهنيء الحجاج ويوجه لهم رسالة يدس فيها السم فى العسل ويعظ بلغة الشيطان ومكر الثعالب، مفادها بأنه «مع موسم الحج لا يسعنى إلا أن أتوجه إلى حجاج بيت الله الحرام، تقبل الله أعمالكم وأفعالكم بكل خير وأعادكم إلى أهلكم سالمين غانمين، حج مبرور وذنب مغفور»، وبعدما يجذب المستمعين بهذا الكلمات، يقول ما يريد، بالخداع والزيف ويطلب من الحجاج الدعاء أن يبعد «عنا وعنكم وعن المنطقة» داعش وحماس والجهاد وحزب الله، ويصفهم بالإرهاب، ويرى أنه بذلك يسود السلام.
وفى الحقيقة يعلم أدرعى ومن معه ووراءه من مصاصى الدماء الذين اعتادوا على القتل والخراب والدمار، أنهم هم الإرهابيون، وهم وحدهم الذين يمارسون «إرهاب الدولة»، وأنهم وراء كل الحروب التى يشعلونها بين الحين والآخر هنا وهناك، وأن احتلالهم للأراضى العربية هو سبب عدم الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط، وأنهم وراء كل تعصب وتطرف وابتعاد عن الإنسانية، وعليهم أن يجدوا لعبة أخري، وأوهاما مختلفة، يحاولوا أن يخدعوا بها غيرنا، بعدما حفظنا ألاعيبهم واعتدنا عليها، ولم نعد نلدغ من هذا الحجر، بل إن العالم كله أصبح يرى حقيقة الدولة العبرية ووحشية جيش الاحتلال، ومعظم الدول ترفض ممارساته المجنونة وطيش عصابته.
بالطبع لا يخفى على أدرعى وغيره من الإسرائيليين ما لاقاه الفلسطينينون – ومازالوا- على أيديهم خلال الأشهر الماضية، وما خلفوه من دمار وخراب يستهدفون منه القضاء على أهل غزة ويتحججون ويتبجحون بأنهم يطاردون حماس، وفى نفس الوقت يكاد الإسرائيليون يصابون بالجنون مما يرونه من إصرار المقاومة والشعب الفلسطينى الصامد الذى لا يهاب الموت ولا تثنيه آلة الحرب الشرسة ولا القتل والإبادة من الاستمرار فى الدفاع عن الأرض والتمسك بالحق والتشبث به.
وفى ظل الحرب الإسرائيلية تزداد مأساة أهالى مدينة غـزة وشمال القطاع بسبب نقص الطعام، وعودة مظاهر المجاعة التى قد تحصد أرواح آلاف الفلسطينينين، ونزوح نحو مليونين من سكان القطاع يعيشون فى ظروف صعبة ومأساوية، ويفتقرون إلى الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية، ورغم ذلك استطاع أهل غزة ان يلقنوا الصهاينة الدرس تلو الآخر درسا، وليثبتوا أنهم ليسوا من الذين يبكون على اللبن المسكوب، ولا على يحدث لهم ولم يسمحوا للحياة أن تتوقف، ولم يقولوا بأى حال عدت عيد؟، وقام مئات الآلاف من أهالى القطاع بإحياء عيد الأضحى المبارك، وأقاموا صلاة العيد على أنقاض نفس المساجد التى دمرتها الغارات الإسرائيلية على القطاع.
وقبل ثلاثة أيام، تلقى جيش الاحتلال ضربة موجعه، ولقى 8 جنود فى كمين مصرعهم فى عملية نوعية جعلت كل إسرائيل تفقد توازنها، وقال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إن القلب يتقطع إلى شظايا أمام هذا الفقدان الكبير، ودفعنا ثمنا ينفطر القلب له، ويعترف بأن إسرائيل تخوض حربا صعبة جدا متعددة الجبهات وأمامها تحديات كثيرة.
ورغم هذا العنف والغطرسة الصهيونية، تتوقع وسائل الإعلام العبرية أن حكومة نتنياهو ستنهار فى نهاية المطاف.