«إنها أيام أكل وشرب» هذا نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أيام العيد التى تسمى أيام التشريق وهى الأيام الثلاثة التى تعقب يوم عيد الأضحي، وقد سميت بذلك لأن الناس فى الماضى البعيد فى الجزيرة العربية كانت تعرّض لحوم الأضاحى الزائدة عن حاجة الطعام للشمس فى عملية تجفيف لحفظها فترة أطول.. والحديث النبوى جاء فى إطار هدى النبى الذى يشير إلى أن أيام الأعياد أيام فرح فلا يصح أن نصوم فيها أو أن يفعل فيها المسلم ما لا يدخل السرور عليه وعلى أسرته.
والفرح والأكل والشرب لا يتحقق إلا بتضحية تسبقه وبعمل به من الإخلاص والصبر والدأب والتفانى ما به، فإذا كان عيد الفطر يسبقه صيام شهر كامل فكذلك عيد الأضحى يسبقه أداء ركن عظيم من أركان الإسلام ألا وهو الحج تلك الشعيرة التى تضم كل شعائر الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وذكر لله فضلا عن المشقة البدنية التى يتكبدها الحاج.. لذا كان الفرح فى يوم العيد هو الجائزة الكبرى لمشقة الحج كما يسبق العيد جائزة عظيمة أيضا ألا وهى تجلى المولى سبحانه وتعالى على الحجيج الذين جاءوا فى ساحة عرفة شعثا غبرا يرجون رحمته ويسألونه مغفرته.
هذه المناسبة أصلها تضحية عظيمة قدمها رجلان عظيمان من رسل الله سبحانه وتعالى استجابة لأوامر الله سبحانه وتعالى فى إخلاص لا تشوبه شائبة وإقبال على الله لا تخامره أدنى ذرة من تخاذل، فقد استجاب سيدنا إبراهيم عليه السلام وهو شيخ كبير لمشيئة ربه حين أمره بذبح ولده إسماعيل واستجاب سيدنا إسماعيل لمشيئة ربه حين علم بما أمر به أباه إبراهيم وكلاهما تعاونا على تنفيذ أمر الله بإخلاص عظيم فكانت الجائزة بفداء من الله سبحانه وتعالى حيث انزل كبشا عظيما ذبحه سيدنا إبراهيم وصار هذا اليوم يوم عيد يحتفل به المسلمون بنجاة أبيهم إسماعيل من الذبح وبوفاء سيدنا إبراهيم لله بما أمر فيذبحون الأضاحي.. إذن نحن نعيش أيام تضحية وفداء وذكرى إخلاص ووفاء وعبرة بأنه لا فرح إلا بتضحية وعمل ومشقة تسبق الفرح، فالفرح جائزة لا يحصل عليها إلا من يستحقون هذا الفرح.
هذه الذكرى وهذا العيد وهذه التضحية كانت المرأة فيها حاضرة بقوة كأن الله أراد أن يكون للمرأة مثلما يكون للرجل من القيم العظيمة والمشاركة فى صناعة الحياة فالسيدة المصرية العظيمة أم العرب السيدة هاجر تمنحنا نموذجا من اليقين بالله سبحانه وتعالى يعجز عن الوصول إليه أشداء الرجال فقد تركها سيدنا إبراهيم وابنها فى مكان غير ذى زرع وبلا بشر فى صحراء مترامية الأطراف لا زرع بها ولا ماء لكن قلبها المؤمن لم يعبأ بذلك بعد أن أخبرها سيدنا إبراهيم أن الله أمره بذلك، فقالت قولتها التى صارت حكمة تتناقلها الأجيال وتتخذها عظة ونموذجا للتصبر حيث قالت: «إذن لن يضيعنا» وكان يقينها بالله فى محله فلم يضيعها سبحانه بل خلد ذكرها وجعلها أمًا وأصلا لأمة عظيمة هى خير الأمم التى أنجبت خاتم الأنبياء وحملت دعوة الله للعالمين.. تنقل إليهم دين الله بعد رسولهم صلوات الله وسلامه عليه سيدنا محمد يقول تعالي: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ».
إذن فهذه المناسبة تعلمنا مما تعلمنا أن صناعة الحياة والفرح تحتاج أولا إلى تضحية وإخلاص ويقين بالله سبحانه وتعالي.