قيل عن الدنيا إنها دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوي، وجعل الآخرة دار عقبي، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببًا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضًا، فيأخذ ليعطي، ويبتلى ليجزي، حقيقة الحياة الدنيا أنها مؤقتة فلا تنتظر منها أن تمنحك شيئاً دائما؛ فكل شيء تمنحه لك الدنيا ولو لبضع دقائق سوف تدفع ثمنه عاجلاً أم آجلا ؛ فتعامل مع الدنيا بشكل مختلف؛ تعامل معها بقواعد حتى تستطيع التأقلم على ما تشاهده وتراه من أحداث الحياة الأغرب من الخيال؛ فكل شيء أصبح لا معقول؛ قد تجد الظالم يعيش حياته وتجد المظلوم يعانى ؛ فالحظوظ موزعة فى الدنيا توزيع بلاء وفى الآخرة توزيع جزاء؛ وحقيقة الحياة الدنيا أنها دار ابتلاء فالكل مبتلى ايا كان نوع ودرجة ابتلائه؛ والابتلاء ليس فقط بالمنع بل بالعطاء أيضًا فنحن فى الحقيقة مُبتلون فيما أعطاه الله لنا من رزق ونعم وبما منعه الله عنّا، وقد يكون الابتلاء فى العطاء وقد يكون الرزق فى المنع فيصير المنع عين العطاء، وهناك آيات عديدة فى القرآن تتحدث عن الابتلاء؛ فنحن فى امتحان فى كل وقت وفى كل مكان، وجودنا فى الدنيا ابتلاء وكل رزق يمنحه الله لنا اختبار، فمن أعطاه الله المال فيما ينفقه؟ ومن أعطاه الله رزق الزواج فاختباره كيف يطيع الله فيمن تزوجه؟ ومن أعطاه الله رزق الأولاد فكيف يتم تربيتهم ، ومن أعطاه الله الجاه والسلطة فهل يعدل بين الناس ويقيم العدل فى الأرض؟، ومن أعطاه الله العلم والحكمة هل نفع بها الناس أم احتكرها لنفسه؟، فالنعمة التى يسيء الإنسان استخدامها تنقلب لنقمة وينزعها الله منه، فنحن لا نعلم بأن كل رزق يمنحه الله لنا هو فى الحقيقة اختبار لنا والعبرة أن ننجح فى اختبار الدنيا وليس فقط النجاة منه، فمقياس درجة إيمانك بالله وحبك له هو مقياس نجاحك فى الابتلاء والصبر عليه؛ ولا يغيب عن أذهاننا أن كل ابتلاء يمُر به الإنسان ابتلى به الله الأنبياء والرسل، فالله أمرنا بالاسترشاد بقصص الأنبياء وما حدث معهم ليكونوا عبرة دائمًا لنا، فجميع الرسل والأنبياء تعرضوا لامتحانات عدة ومن يتمعن يجد أن كلًا منّا تعرض لِما تعرض له الأنبياء باختلاف أنواع الابتلاء، ولكن الفيصل هو كيفية التعامل مع الابتلاء، فهناك من فَقَدَ أبناءه ولا يعلم بأن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فقد أبناءه، وهناك من تعرض لغدر من أقرب الناس إليه وسيدنا يوسف تعرض لحقد وغدر أخوته، وهناك من أُتهم ظُلما وسُجِنَ ظُلما وسيدنا يوسف أيضًا تعرض لذلك، وهناك من تحدث الناس عنه بسوء واتهم ظلما كالسيدة عائشة، وهناك من اُبتلى بابن عاصِ كسيدنا نوح، أو زوجة عاصية كسيدنا لوط، أو زوج عاص كآسيا امرأة فرعون، أو أب عاص كوالد سيدنا إبراهيم، عليهم جميعًا السلام، فالثواب على قدرالمشقة، فتعرض سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لامتحان القهر كذبوه وسخروا منه و أساءوا إليه فصبر، وامتحن امتحان النصر فتواضع، وامتحن امتحان الفقر فصبر، امتحن امتحان الغنى فشكر، وامتحن بكيد الأعداء وافتعلوا المؤامرات عليه، وسيدنا أيوب تعرض أيضًا للعديد من الابتلاءات بعد أن أنعم عليه الله بالعديد من النعم سلبها منه فصبر ثم أرجعها إليه مرة أخري، فالابتلاء لحكمة ما ستعلمها مع مرور الوقت، فلكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فلا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع ، فلو تمعنا فى حياتنا اليومية سنجد أننا نبتلى 24 ساعة أى نتعرض يوميًا لمواقف عدة من مضايقات أثناء العمل لاختبار مدى أمانتك مدى صدقك مع الله، وأيضًا نصادف أناساً كثيرين يختبر الله مدى صدق إيماننا وكيف نتصرف إزاء الابتلاءات التى نتعرض لها، حتى المنح والعطايا ابتلاء، ولا نعلم بأن الابتلاء مرتبط بالرزق ارتباطاً طردياً فكلما زاد رزقك زاد الابتلاء، فالجميع يتعرض لابتلاءات ولا تظن أنك وحدك مُبتلى ولكن ما يفرق ما البعض والبعض الآخر رد الفعل إزاء تلك الابتلاءات وبالتالى من ينجح فيه ومن يرسب ! فلكى تخفف من وقع الابتلاء عليك تذكر أنه مؤقت وتمعن فى حكمة الابتلاء.