كثيرون يقفون باختيارهم تحت مظلاتهم السوداء التى تحجب عنهم تسلل أشعة الشمس الدافئة وتحرمهم من حبات المطر المنعشة، هذه الأشعة وتلك الحبات ما هى إلا الحقائق والخطط والاستراتيجيات والعناوين الكبيرة والصور الكلية وفصل الخطاب فى كل أمورنا الحياتية، أشعر أن كل منا يحمل مظلته الخاصة ويضعها فوق رأسه ليحجب عن نفسه رؤية الحقيقة، بيد أنه يخشى المعرفة، فربما كانت تلك المعرفة منهكة ومخيفة، وربما كانت عكس التصورات الراسخة لدى الكثيرين، الناس عموما لا يحبون التغيير – أى تغيير – حتى تغيير الأدبيات والمعتقدات والطبائع والأعراف والتقاليد، نحن نستوحش المجهول ولا نهوى التجارب الجديدة مهما كانت المغريات، حتى أحلامنا باتت مقيدة بحبل من مسد معلق فى رقابنا ومتصل بأقدامنا، فلا تصعد فوق رؤسنا قدر أنملة ولا تبرح بعيدا عن موطئ أقدامنا، وعندما ننظر إلى أعلى سيكون سقف رؤيتنا هو تلك «المظلة السوداء» فنمل من النظر إليها ونتجه بأنظارنا فى بلاهة إلى أسفل حيث اللاشيء! فما سر هذه المظلة؟ وما سر الخوف مما فوقها؟ وما هى حكمة التركيز فقط فيما تحت أقدامنا؟ لماذا لا نلقى بهذه المظلة بعيداً ونفتح أعيننا نستقبل أشعة الشمس تارة ونتلذذ بحبات المطر تارة أخري؟ لماذا نعشق الاستكانة والجمود ونخدع أنفسنا ونطلق عليه الاستقرار؟ لماذا نكره الأفكار الجديدة ونقاومها ونهاجم من يطرحها ونحاول أن نطرحه أرضًا؟ إننا نعيش فى عالم لا يعرف الثبات ولا يؤمن بالجمود، عالمنا لا يطيق أن يبقى الحال على ما هو عليه مهما كان وجاهة هذا البقاء، لا أريد أن أغرق واستغرق فى أسئلة وتساؤلات استنكارية، لكننى أحاول أن افتح أبواب النقاش وأطل منها على نوافذ الحل مستعينا لتحقيق ذلك الهدف باستفزاز العقل وخلق مساحات شخصية وفردية من التأمل، فأنا شخصيا أتساءل بينى وبين نفسى لماذا كان والدى رحمة الله عليه يردد دائما بعض الأمثال الشعبية على أسماعنا ونحن صغار كقوله «على أدّ لحافك مد رجليك» و»العين متعلاش ع الحاجب» و» المية متجريش فى العالي» و»اللى ملوش كبير يشتريله كبير» و»لف سنة ولا تخطى قني» و»تجرى جرى الوحوش غير رزقك مش هتحوش» وأمثال عديدة من هذه النوعية، كان الوالد كريماً بسيطاً طيباً حسن المعشر والمنطق ولا يخوض مع الخائضين، فقط كان ينظر للدنيا من سم الخياط «ثقب إبرة» وكأنه لا يريد أن يراها، فكانت الأمثال والأقوال تصب فى اتجاهات متناقضة بعضها سلبى وبعضها إيجابي، كنت أرى أن اللحاف وإن كان قصيراً فلماذا لا نجعله طويلا؟ ولماذا اكتفى بعدم مد قدمى احتراما لطول اللحاف؟ كنت أرى أن فكرة العين والحاجب تكرس مفهوم العبودية والسيد والمسود، وكنت أنظر إلى إمكانية أن تجرى المياه عكس الميل الطبيعى للأرض عن طريق أنابيب ومواسير ضخمة، وكنت أتعجب من فكرة شراء الكبير لمن ليس له كبير، فالظروف جعلتك حراً طليقاً وأنت تعترض وتبحث لك عن سيد وكبير! بيد أن الكثير من الأمثال والحِكم تحتاج إلى إعادة نظر، كما أن الحفاظ والاحتفاظ بالمظلة السوداء تتطلب المزيد من النظر.