تواجه الصحافة الورقية منذ بضع سنوات منافسة من نوع مختلف نتيجة ظهور شبكة الإنترنت وثورة الاتصالات والمعلومات، لتتغير خريطة المنافسة فى عالم الصحافة، لتتحول من منافسة بين صحف ورقية فيما بينها، إلى صحف ورقية وأخرى إلكترونية، وقد اكتسب هذا النوع الجديد من الصحافة أهمية بالغة منذ ظهوره فى أوائل تسعينيات القرن العشرين بعد أن لُوحظ تغير فى سلوك العادات الاستهلاكية للقراء، خاصة مع ظهور جيل الإنترنت الذى لم يعد يتعامل بنفس شغف تعامله مع الصحف الإلكترونية التى تتميز بسرعة نقلها للمعلومات، ومتابعة الأحداث لحظة قوعها ونقل المعلومات بالصوت والصورة فى الوقت الذى تضطر فيه الصحف الورقية للانتظار 24 ساعة لطباعة الخبر فتفقد بذلك السبق الصحفى الذى ظل لعدة سنوات أحد مؤشرات نجاح الصحيفة.
وبالتالى كثر الحديث فى السنوات الأخيرة عن تهديد الصحافة الإلكترونية للصحافة الورقية، واعتبر البعض أن الصحافة الإلكترونية ستكون بديلاً عن الصحافة الورقية تماشياً مع واقع العصر الذى نعيشه.
وفى مقابل هذه النظرة المتشائمة يرى آخرون أن الصحافة الورقية قادرة على استيعاب التطورات فى مجال الإعلام الرقمي، وأن الجزم باختفائها أو اندثارها ليس له ما يبرره، بعد أن نجح المطبوع فى التعايش مع الراديو، والتليفزيون. وهنا تبرز الإشكالية فى إمكانيات الإعلام الرقمى بخصوصياته التفاعلية والتشاركية والتزامنية لتجاوز الصحافة الورقية ومدى قدرة هذا الوسيط التقليدى الورقى على حماية نفسه من رهانات الرقمنة ليكون منافساً للإعلام الإلكترونى وليس فقط متعايشاً معه، وهو ما يستدعى البحث فى نوع العلاقة المحتملة بينهما فى ظل التحديات التى تطرحها الصحافة الورقية على صعيد بقائها واستمراريتها.
إن خروج الصحافة الورقية من أزمتها وضمان انتقالها الناجح فى البيئة الرقمية مرهون بالعمل الدءوب على إعادة بنائها حقلا مستقلا بذاته يتماشى مع التطورات الراهنة.
أكد صحفيون وإعلاميون أن العلاقة بين الصحافة الورقية والرقمية لا يمكن وصفها بأنها صراع، بل هى فى الأساس علاقة تكاملية، حيث يجب أن تستفيد الصحافة الورقية من الثورة الهائلة فى المجال التكنولوجى وأن تواكب التطور الرقمى الحديث.
جاء ذلك فى الندوة التى تم تنظيمها أمس ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب فى نسخته الخامسة والخمسين والتى حملت عنوان «مستقبل الصحافة الورقية».
وأشار المشاركون إلى أن الصحافة القومية تعد وثيقة لتسجيل الأحداث ومرجعية لنقل الواقع من زمن إلى زمن، مشددين أن الصحافة الورقية القومية هى حجر الزاوية فى منظومة الإعلام المصري.
وقدم الكاتب الصحفى جمال الكشكى رئيس تحرير الأهرام العربي- الذى أدار الندوة- التهنئة للقائمين على معرض القاهرة الدولى للكتاب الـ55، مشيدا بالنجاح والحضور غير المسبوق من دورة لأخري، مؤكدا أن هناك طفرة وتطورا كبيرا فى المعرض.
وأكد الكشكى أن الصحافة الورقية تمثل القوى الناعمة للدولة المصرية وحجر الزاوية للأمن القومى المصري، وأن الصحف الورقية لن تغيب، والنهوض بهذه الصحافة يحتاج مجهودا ليس صعبا، مطالبا الجهات المعنية بالأخذ بالحلول التى تم طرحها من المتحدثين فى الندوة وكذلك من الحضور.
وأوضح مدير الندوة أن قضية مستقبل الصحافة الورقية قضية جدلية فى المنطقة والعالم، مشيرا إلى وجود بعض الدول مازالت توزع الملايين من النسخ يوميا، ومنها الهند.
وطرح الكشكى خلال إدارته الندوة العديد من الأسئلة على المتحدثين منها، هل يمكن إنقاذ الصحافة الورقية؟ هل هناك أمل فى استعادة الصحافة الورقية عافيتها فى ظل المنافسة مع الصحافة الرقمية؟ وما هى الحلول لكى تعود الصحافة الورقية لسابق عهدها؟
وفى هذا الإطار، قال الكاتب الصحفى عبد الرازق توفيق رئيس تحريرجريدة الجمهورية إنه ليس هناك صراع بين الصحافة الورقية والرقمية، مشيرا إلى أن تلك العلاقة هى علاقة تكاملية فى الأساس.
وأضاف توفيق أن هناك آراء تقول إنه آن الأوان لدفن الصحافة الورقية فى ظل ما يشهده العالم من ثورة تكنولوجية هائلة، فى مقابل رأى آخر يثبت أن التطور التكنولوجى ربما يكون حافزا ودافعا لتطوير الصحافة الورقية.
ولفت إلى أن هناك عددا كبيرا من التحديات التى تواجه الصحافة الورقية أبرزها التحديات الاقتصادية، وارتفاع أسعار مستلزمات الانتاج من المواد والورق والاخبار، فضلا عن وجود خلل فى عملية التوزيع للصحف الورقية.
ونوه إلى أن هناك انعكاسا كبيرا للأزمة الاقتصادية العالمية على الصحافة الورقية، موضحا أن سعر النسخة الواحدة من الصحيفة يباع للجمهور بثلاثة جنيهات، فى حين أن التكلفة العادلة للنسخة الواحدة يتخطى العشر جنيهات.
وشدد على أن الصحافة الورقية القومية هى حجر الزاوية فى منظومة الإعلام المصري، موضحا أن أبناء الصحافة الورقية هم الذين يتصدرون المشهد الإعلامى فى القنوات والإذاعات وهذا دليل كاف على كفاءة منتسبى الصحف الورقية.
وأبرز أن العلاقة بين الصحافة الورقية ونظيرتها الرقمية ليست علاقة صراع لكنها منافسة، لافتا إلى ضرورة تغيير مضامين الصحافة الورقية فى تناولها للموضوعات للدفع بتلك الصحف إلى سوق المنافسة مع الإعلام الرقمي.
ونبه إلى أن العالم تجاوز فكرة «أنه يعيش فى قرية صغيرة» لأنه أصبح يعيش فى حجرة صغيرة، لذلك لا بد من العمل على الاستفادة من الثورة التكنولوجية لتطوير الأداء والعمل بالصحف الورقية.
وأعرب عن تفاؤله بمستقبل الصحافة الورقية بشرط تطوير المضمون والمحتوى ومعالجة المشكلات الداخلية، وخلق رؤية توزيعية تستهدف كل المواطنين بمختلف فئاتهم وأماكن تواجدهم.
وجدد عبد الرازق توفيق التأكيد على ضرورة تطوير المحتوى المقدم بالصحافة الورقية، من خلال البحث عن أبعاد الخبر المتمثلة فى التفسير والتحليل، فضلا عن تقديم محتوى ذى مصداقية.
ونوه إلى أهمية العمل على ربط القارئ بالصحيفة من خلال تقديم الخدمات التى يريدها القارئ، موضحا أن تجربة صحيفة (الجمهورية) فى ذلك واضحة للعيان والتى تتمثل فى المحتوى التعليمى المقدم للطلاب بالمراحل التعليمية المختلفة.
وشدد على أهمية العمل على حل المشكلات الاقتصادية التى تواجه الصحف الورقية، مشيرا فى هذا الصدد إلى خطط الهيئة الوطنية للصحافة الرامية إلى استغلال أصول المؤسسات الصحفية القونية غير المستغلة لإيجاد طرق جديدة للدخل.
من، جانبه قال علاء عبدالهادى رئيس تحرير (أخبار الأدب)، إن الصحافة أداة من أدوات قوة مصر الناعمة، مشيراً إلى أن الصحافة الإلكترونية لم تلغ دور الصحافة الورقية حيث إن الإذاعة لم تختف بظهور التلفزيون ولكن استمرت بدورها.
وأضاف عبدالهادي، أن الصحافة الورقية مرهونة بما تقدمه للقارئ، فالكلمة كانت تستطيع أن تغير وزارة، وأن تغير وجهة نظر الجمهور، ولكن الإعلام الآن أصبح بلا مرجعية، مشيراً إلى «أننا أصبحنا نفتقد رسالة الإعلام وهى أن نقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف وأن ننقل الصورة الحقيقية بكل شفافية».
وتابع أن بقاء الصحافة الورقية مرهون بقدرتها فى أن توظف التكنولوجيا الحديثة لصالحها، مستعرضا جهود الهيئة الوطنية للصحافة فى إتاحة مواقع إلكترونية للصحافة الورقية لمواكبة التكنولوجيا الحديثة، مؤكداً أن هناك بعض الصحف الخاصة استطاعت أن تحقق المعادلة الصعبة فى التوازن بين الصحافة الورقية والرقمية.
وأكد عبدالهادى أن الصحف القومية لم تشكل وعى المصريين فقط، بل تشكل الوعى العربى بأكمله، وتساعد فى تغيير الرأى العام، مشيرا إلى أن (أخبار الأدب) كانت توزع فى المغرب العربى أكثر ما توزع فى مصر.
ولفت إلى أننا بحاجة لأن نواكب التكنولوجيا الحديثة، مشيراً إلى أن الصحافة القومية توثق الأحداث، وتصبح مرجعية لمختلف الأحداث، مؤكداً أن كل صحيفة لها طابعها الخاص وعليها إيجاد طريقتها الخاصة للتعامل مع هذا الملف.
وختم بقوله: ستبقى القضية مفتوحة وتظل كل دولة قادرة على ايجاد وصفتها الخاصة بالإضافة إلى أنه اسباب بقاء الصحافة الورقية قائمة وأن الهدف ليس الابقاء عليها من أجلنا فقط كجيل ولكن من أجل قيمتها الحقيقية.