على مدار قرن من الزمن أو يزيد قليلاً، وتحديداً منذ وعد بلفور عام 1917 الذى سمح من خلاله الإنجليز لليهود بإنشاء وطن قومى لهم فى فلسطين إرضاء للحركة الصهيونية العالمية، والشعب الفلسطينى يتعرض للتعذيب والتنكيل به، وحتى كتابة هذه السطور يواصل الصهاينة جرائمهم البشعة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وخلال هذه المدة الزمنية الطويلة ذاق الأشقاء الفلسطينيون المر والمرارة وتعرضوا للمذابح البشعة بكل أنواعها المختلفة، ولا تزال إسرائيل تمارس جرائمها جيلاً بعد جيل بمباركة الدول الكبري، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وتسمر العالم مكانه لا يفعل شيئاً للأشقاء الفلسطينيين سوى الشجب والإدانة وما شابه ذلك من تصرفات لا توقف الصهاينة عن جرائمهم البشعة، اللهم إلا مصر التى جعلت من القضية الفلسطينية همها الأكبر على مدار هذا القرن من الزمان، وحتى الآن تواصل جهودها الواسعة من أجل تحرير الشعب الفلسطينى من هذا الاحتلال الغاشم.
تصدت مصر للكثير من المواقف من أجل إيجاد حل ولا تزال تقوم بالدور الأكبر فى هذا الشأن من أجل نصرة الأشقاء الفلسطينيين. وقد تمثل ذلك فى مواقف عديدة ليس هذا مجالا لذكرها أو تعدادها الآن. وقد فقدت مصر الكثير من أبنائها الشهداء إلى جوار الشهداء الفلسطينيين على مدار هذا التاريخ الطويل. وما زالت إسرائيل تمارس الهجمات الشرسة ضد الشعب الفلسطينى فى الوقت الذى تحرر فيه العالم أجمع من الاستعمار، وتخالف إسرائيل كل التقاليد والأعراف الدولية وتجافى مبادئ مستقرة توافق عليها المجتمع الدولى ومواثيق الأمم المتحدة.
ولابد من ضرورة العمل للحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى للوصول إلى حل الدولتين بما يحافظ على الشرعية الدولية والحقوق المشروعة للفلسطينيين، إضافة إلى مطالبة المجتمع بسرعة التحرك لوقف هذه المجازر الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وأن تقوم الأمم المتحدة بدورها لوقف أى اعتداءات وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين الفلسطينيين وحقهم فى ممارسة الحياة الصعبة، ووقف ممارسات تنتهك حرمة المسجد الأقصى المبارك، أو أى محاولة تسعى للنيل من الهوية العربية الإسلامية والمسيحية لمدينة القدس ومقدساتها، أو تغيير الوضع التاريخى والقانونى القائم. وتحرص مصر على عدم المساس بأى حق من الحقوق المشروعة والثابتة للشعب الفلسطيني، لا سيما تلك المتعلقة باستمرار سياسة الاستيطان اللعينة فى الأراضى الفلسطينية من خلال بناء المستوطنات الجديدة أو توسيع القائم منها أو مصادرة الأراضى أو تهجير الفلسطينيين القسرى لما تمثله من انتهاك للقانون الدولى وتقويض فرص التوصل إلى حل الدولتين وتهديد ركائز الأمن والاستقرار فى المنطقة. نعم تهجير العائلات الفلسطينية من منازلها يمثل انتهاكاً لمقررات الشرعية الدولية والقانون الدولى الإنسانى واستمراراً لسياسة التهجير القسرى للفلسطينيين، خاصة أن قوات الاحتلال الإسرائيلى تقوم باعتداءات وحشية بشعة على الفلسطينيين فى غزة وأحياء القدس وكل المدن ما أسفر عن وقوع شهداء كثر والآلاف من الجرحى وتحريض المتطرفين اليهود على قتلهم والمساس بممتلكاتهم. ولذلك يتحمل هذا الاحتلال أمام العالم المسئولية الكاملة عن هذه المواجهات الخطيرة وما ينتج عنها من تداعيات على أمن واستقرار المنطقة بكاملها. ونستغرب شديد الغرابة على حالة الصمت الدولى حيال تلك الانتهاكات وعدم توفير الحماية الدولية اللازمة للشعب الفلسطينى خاصة المقدسيين وغزة الذين يتعرضون لأبشع عملية طرد وتهجير قسري، فأين المجتمع الدولى والمنظمات والهيئات الدولية من كل هذا، والمطلوب هو التكاتف للحفاظ على الطرق المشروعة للشعب الفلسطينى بما يضمن حل الدولتين وفقاً للتشريعات والمواثيق الدولية وبنود الاتفاقيات الموقعة التى ضربت بها إسرائيل عرض الحائط، فالمطلوب هو ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار، فى الشرق الأوسط.
لم يكفِ بريطانيا التى استمر احتلالها لفلسطين منذ عام 1917 حتى عام 1948 ما فعلته بكل ما فى وسعها من أجل تحقيق ما وعدت به الصهاينة، فقد سهلت الهجرة الصهيونية إلى فلسطين بكل السبل وسربت العديد من الأراضى لهم من أجل إقامة المستوطنات عليها. وعملت على إضعاف الاقتصاد الفلسطينى بسبب الضرائب الباهظة التى فرضتها على الفلاحين والتجار فى الوقت الذى كانت تمكن الصهيونية من إقامة مؤسسات اقتصادية كبيرة واستخدمت كل أساليب القمع والإرهاب بحق المواطنين الفلسطينيين.
واصلت إسرائيل أساليبها الشاذة فى تحقيق أهدافها منذ ذلك الحين من أجل تهويد القدس وضياع غزة ولعل أبرز تلك الجهود هو الاستيطان الذى أسهم فى إنجاح الهدف الإسرائيلى وزرع الأحياء الاستيطانية حول مدينة القدس بهدف تطويقها وعزلها وزيادة عدد المستوطنين اليهود، وتقوم إسرائيل بالتضييق على البناء العربى وتعمل على تقليص عدد المواطنين الفلسطينيين بشتى الطرق… والمعروف أن مسألة القدس واحدة من أبرز المسائل التى أرجئ البحث فيها بموجب اتفاقيات أوسلو إلى ما سمى بمفاوضات الحل النهائى لكن الحكومات الإسرائيلية واصلت سياساتها الرامية إلى تهويد القدس، وبذلك كانت مسألة القدس معضلة التفاوض فى كامب ديفيد الثانية حول الوضع النهائي. على أية حال مطلوب من المجتمع الدولى وعلى وجه السرعة وقف العمليات العسكرية فى غزة ووقف الاستيطان البشع الذى تقوم به إسرائيل ووقف المهازل والمجازر التى تقوم بها ضد الشعب الفلسطيني، والالتزام بالشرعية والمواثيق الدولية حتى يتم حل الدولتين، وحتى نضمن الاستقرار الكامل لأمن منطقة الشرق الأوسط. وهذه الأيام تعيش فلسطين نكبة ثانية لا يعلم مداها إلا الله.