الفيلم الوثائقى له الأولوية فى الوصول إلى الكعبة المشرفة والمدينة المنورة ومتابعة تفاصيل الرحلة المقدسة إلى الأراضى الحجازية بكل ما يحيط بها من مشاعر.. خرجت الكاميرا مبكرا إلى مكة ويثرب.. وصورت وسجلت لحظات الرحلة الخالدة التى كانت تخرج من مصر إلى السعودية براً وهى تحمل كسوة الكعبة وأبرزها فيلم نادر مدته 9 دقائق أنتجته شركة مصر للتمثيل عام 1937 التى أسسها أبو الاقتصاد المصرى طلعت حرب الرجل الذى ربط نهضة الصناعة.. بالزراعة بالفن بالتعليم.. والفيلم بدأ بكلمة للملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية والرحلة تبدأ من مصر وتنتهى عند القبة الخضراء لمسجد المصطفي– صلى الله عليه وسلم– والعجيب ان السينما رغم تطور امكانياتها كصناعة وفن.. لم تقترب من رحلة الحج إلا بشكل عابر دراميا.. وفى بعض الوثائقيات التى سجلت مجموعة من الرحلات جاءت من الشرق والغرب إلى الرحاب المقدسة.. وان جاءت أغنية هنا أو هناك مثل الأغنية الخالدة للراحلة ليلي مراد «يا ريحين للنبي الغالي»
أو لقطة عابرة فى فيلم درامي.
الأعجب من ذلك ان معظم ما رصد رحلة الحج سينمائيا.. جاء من الغرب باستثناء فيلم واحد أخرجه المغربى إسماعيل فروخى بإنتاج مشترك بين فرنسا وتركيا والمغرب خاصة ان بطل الفيلم مغربى أيضا وهو محمد مجد.. وقاسمه البطولة الفرنسى من أصل جزائرى «نيكولا كازالي» والفيلم هو «الرحلة الكبري» وكانت ميزانيته مليون يورو وعرض للمرة الأولى 2004 وفاز بعدة جوائز أهمها الأسد الذهبى من مهرجان البندقية والفيلم كتبه مخرجه عام 1998.. وظل يبحث عن منتج يتحمس له.. حتى عثر على الفرنسى «انيون بيكترز» الذى وجدوه منتحرا بعد ذلك.. وقد وجد المخرج صعوبات شديدة فى أماكن التصوير وعمل فى بعضها بشكل سرى لأنه لم يستطع الحصول على تصاريح.. ولكنه تغلب عليها ليقدم.. أفضل الأفلام وأقواها لأن بطل الفيلم العجوز يصر على ان يؤدى فريضة الحج برا مستخدما سيارة قديمة كان عليه أن يخرج بها من فرنسا إلى إيطاليا والبلقان وتركيا ثم إلى سوريا والأردن وصولا إلى المملكة العربية السعودية ويرصد الفيلم الكثير من مشاكل العالم عموما.. والإسلامى بصفة خاص مروراً بالبلدان التى تمر بها الرحلة.. خاصة ان الابن الشاب الذى ولد وعاش فى فرنسا ولا يعرف سواها يرفض ان يصحب والده فى تلك الرحلة.. لكن الوالد الذى لا يمتلك المال لأداء الفريضة بالطائرة يصحب ابنه بالترغيب والترهيب.. والجديد فى الفيلم ذلك الحوار المدهش بين الاب باللغة العربية والابن بالفرنسية ولكنك تستطيع ان تستوعبه بكل سهولة.. والفيلم لا يركز على الأماكن التى تقطعها الرحلة.. لكنه يهتم بشكل مبدع بتطوير الصراع بين شخصية الأب المتمسك بجذوره العربية.. والابن الشاب الذى يريد أن يعيش حياته الأوروبية كما يريد.. ولا يحاول الأب أن يفرض على ابنه ثقافته.. لكنه يمارس طقوس دينه بشكل عملي.. فهو يحافظ على أوقات الصلاة حتى فى الصحراء ويتصدق بماله على امرأة فقيرة صادفها على الطريق فى تصرف اندهش له الابن.. وفعله الأب بكل اقتناع.. ومع ذروة الفيلم وموت الحاج بعد رحلة الخمسة آلاف كيلو التى قطعها.. وذلك قبل ان يؤدى الشعائر.. وكأنه بذلك يكشف لنا ان رحلته من بدايتها كانت إلى رب الكعبة أكثر منها إلى الكعبة نفسها وهى الذروة الدرامية التى يشعر معها الابن بمعنى هذا الارتباط الروحى وبعد أن يبيع السيارة القديمة.. ويشترى تذكرة العودة إلى فرنسا بالطائرة وبدون والده الذى جرى دفنه فى هذه الأرض المقدسة.. يتبرع بما تبقى معه إلى امرأة فقيرة على غرار ما فعل والده.
قيمة الفيلم تأتى من كونه ابتعد عن الحوار المباشر.. ولجأ إلى الصورة لكى تغنى عن كل الكلام وتصل إلى الجميع وهذا هو سحر السينما.
أين أنت يا سينما مصر؟
ورغم ان السينما المصرية هى الأقدم فى المنطقة العربية والشرق الأوسط كله.. حيث انها انطلقت بعد سنة واحدة فقط من إعلان الأخوين لوميير عن اختراعهما الذى غير شكل الحياة على كوكب الأرض.. وكانت الإسكندرية العاصمة السينمائية الأولي.. رغم ذلك ظلت هذه السينما العريقة بعيدة عن أهم وأشرف وأقوى وأعظم الرحلات بينما عاد خواجات أوروبا وأمريكا يفتشون فى دفاتر وأسرار هذه الرحلة ويقدم «تاران دينس» عام 2009 فيلما عن رحلة ابن بطوطة إلى مكة فى شكل وثائقى درامى ونفس المخرج الذى درس فى جامعة هارفارد العريقة ابن الاسرة الكاثوليكية.. كان قد قدم فى عام 1994 فيلما عن أوزبكستان وطاجكستان فى إطار اهتمامه بالعالم الإسلامى حيث ذهب أيضا بالكاميرا إلى الشيشان والقدس.. ولما سألته الصحافة عن فيلمه حول ابن بطوطة إلى مكة كان جوابه كل الطرق كانت تأخذنى إلى مكة لان معرفتى بالإسلام والمسلمين هى روافد تبلغ قمتها فى «مكة» وقد قصدت من إعادة تصوير رحلة ابن بطوطة إلى التأكيد على أهمية وقيمة رحلة الحج فى حياة كل مسلم على وجه الأرض.. وما بين رحلة ابن بطوطة عام 1335 ورحلات المسلم المعاصر فى عام 2007 جمعت بين القديم والحديث.
وانتجت ناشيونال جيوجرافك عام 2003 فيلما وثائقيا عن 3 حجاج جاءوا من جنوب أفريقيا وماليزيا وأمريكا.. واتجاههم إلى بيت الله الحرام ومسجد المصطفي– صلى الله عليه وسلم– فى مشاهد بصرية مؤثرة.
ولم تقف السينما الهندية بعيدا وبلادها تضم ملايين المسلمين فقدمت عام 2013 فيلم «حاجي» إلى جانب بعض الأفلام الأخرى بين وثائقية أو درامية لامست رحلة الحج بشكل عابر مثلما جاء فى الفيلم الأمريكى الشهير «مالكوم إكس» الذى اخرجه «سبايك لي» ولعب بطولته النجم الأسمر دينزل واشنطن مجسدا شخصية هذا الشاب الأسمر الذى كان سببا فى انتشار الإسلام داخل أمريكا.. وتحوله من عالم الجريمة والعصابات إلى داعية إسلامى كبير حتى جرى اغتياله عام 1965.. وقد تم ترشيح واشنطن للأوسكار عن دوره فى الفيلم عام 1992.. لكن الجائزة ذهبت إلى «آل باتشينو» والشاب ابن حى «هارلم» الإجرامى بعد اعتناق الإسلام يصف فى رسالة مؤثرة لزوجته كيف رأى عظمة الله فى مكة وهو يرتدى زى الإحرام وقد وجد المشاعر الإنسانية بين البشر فى هذه الرحلة التى يجتمع فيها الفقير والغنى والأبيض والأسمر والأصفر والكبير والصغير والرجل والمرأة بلا تفرقة..توحدهم فى الرحلة العظيمة والطواف حول الكعبة المشرفة والسعى بين الصفا والمروة.. والوقوف بجبل عرفات.
والسؤال متى تتحرك الدراما العربية والإسلامية لتقديم عمل ضخم يتشاركون فيه ويدهشك وجود ميزانيات ضخمة لمؤتمرات تقام ثم تنفض بلا طائل وفى منظمة التعاون الإسلامي.. وجامعة الدول العربية وهيئات وجهات ومؤسسات ما أنزل الله بها من سلطان.
ويا رحلة الحج.. مازلنا ننتظر ذلك العمل (مسلسل/ فيلم) يأخذنا بالروح والمشاعر إلى الرحلة العظيمة.. نتطلع إلى الكعبة المشرفة.. ونقف أمام قبر المصطفي– صلى الله عليه وسلم– نلقى إليه بالتحية والسلام والصلاة على خير البشر.. ونقول الكثير مما نخفى ونعلن والله أعلى وأعلم!