اليوم هو وقفة عرفات التى تمثل الركن الأعظم للحج، فيه تسمو النفوس وتهفو إلى رحمات الله، تصدح القلوب الطاهرة بالدعوات تسابق الألسنة المنطلقة فى فضاء المغفرة تغترف منها ما تشاء، وتأتى الوقفة هذا العام وسط ارتفاعات قياسية فى درجات الحرارة لم نر لها سابقة، فالبشر أنهكوا بفعالهم الكرة الأرضية فتمرد المناخ عليهم، وهنا يجب أن ننتبه وفى وقفة جادة مع النفس وصولاً إلى الهدف الأسمى وهو «صفر».
هل يمكن أن يكون «الصفر» هدفاً نضع من أجل الوصول إليه الخطط والبرامج والاعتمادات؟ وهل يمكن أن يصبح الوصول إلى درجة الصفر حلماً بعيد المنال عند بنى الإنسان؟ هل خطر ببالك مرة أن الوصول إلى الدرجة «صفر» غاية تبرر من أجلها كل الوسائل؟ هل ضبطت نفسك فى يوم ما تنظر إلى الصفر باحترام؟ أتذكر عبارات ساخرة نستخدمها بين الحين والآخر، سخرية أو دعابة مع الآخرين، مثل عبارات: والنتيجة صفر، أو صفر كبير، أو «الرصيد صفر»، وكأنما بات الصفر سبة أو عيباً نخجل منه جميعاً! لكن الحقيقة أننا ظلمنا الصفر كثيراً بسوء استخدامنا له، فعلى سبيل المثال، نستخدم تعبيرات كثيرة البطل فيها هو الصفر، مثل: صفر مشاكل وصفر أزمات، واليوم أضيف تعبير «صفر انبعاثات كربونية»، وهذا هو بيت القصيد فى هذا المقال، فالوصول إلى انبعاثات كربونية صفر أصبح هو هدف البشرية جمعاء وحلمها فى محاولة لإنقاذ الكوكب من كوارث جنون المناخ، الذى تسببت فيه البشرية بحماقة غير مسبوقة.. الكرة الأرضية تتحمل انبعاثات كربونية، وغازات ثقيلة تصل إلى 52 مليار طن، أو 52 جيجا طن، لذلك نشعر بارتفاع درجة حرارة الأرض، حيث تقف تلك الغازات الدفيئة حائلاً بين ما ينبغى أن يكون وبين ما هو كائن، فى عام 2021، انخفضت نسبة الغازات 4.5 ٪ ليصل الحجم إلى 50 مليار طن غازات دفيئة، وكان هذا بسبب الإغلاق التام لكل الأنشطة الاقتصادية، بما فيها توقف حركات الطيران والبواخر والأشخاص، وتوقف استخراج الوقود الأحفورى، ومعظم المصانع على مستوى العالم، هذا المشهد الذى كنا نلطم الخدود لأجله، كان يحمل فى طياته ما هو خير للبشرية! لكن فى الوقت نفسه مات الملايين، وجاع الملايين، وخسر الملايين وظائفهم، وشُلت الحياة، وكان المناخ هو الرابح الوحيد، حيث انخفضت نسبة الانبعاثات أربعة ونصفاً فى المائة فقط، مقابل كل هذا الشلل فى الحياة الاقتصادية، فلك أن تتخيل إذا أردنا أن نصل إلى درجة «صفر انبعاثات»، فكم ستكون قيمة فاتورة الخسائر الاقتصادية؟ ألم أقل لكم إن الصفر بات حلماً كبيراً صعب المنال؟