كانت تجربة مؤلمة عانيت خلالها استهدافًا وتعنتاً من جماعة الإخوان التى أرادت الكيد والتنكيل
قبل عام كتبت فى هذا المكان مقالًا تحت عنوان «ماذا فعل الإخوان بالقيادات الصحفية.. ؟!».. وسيظل السؤال: لماذا كان رؤساء الصحف هدفًا مباشراً لسهام الجماعة.. وماذا كسبت من وراء ذلك ؟!.. والإجابة ترويها السطور الآتية..
على غير ما اعتدنا طوال عقود مضت تغيرت النظرة إلى شهر يونيو بعد أن شهد ذكرى مجيدة؛ وهى ثورة 30 يونيو التى أطاحت بجماعة الإخوان من حكم مصر بعد عام واحد بائس؛ فالجماعة لا تعترف بالأوطان ولا بحدودها وترابها.. بل ترى من يخالفها الرأى والفكر خصمًا أو عدواً حتى ولو كان من بنى جلدتها.
30 يونيو ثورة شعب وإرادة وطن انحازت لها القوات المسلحة والشرطة حتى استأصلت آفة كبيرة كانت ستلتهم الأخضر واليابس لو تمكنت من مفاصل الدولة بما اتبعته من سياسة التكويش على كل المناصب وإقصاء كل فصيل لا ينتمى لفكر الجماعة وأيديولوجيتها، حتى بلغ الاستقطاب مداه وبات الاحتراب الأهلى على الأبواب.. !!
ولم يكن الإقصاء والتكويش هما الآفة الوحيدة للإخوان بل ظهرت الرغبة فى تصفية الحساب مع كل مختلف معهم حتى ولو كان من التيار ذاته.. أما أنا فقد ذقت مثل كثيرين غيرى مرارة التعنت والتنكيل والاتهامات الباطلة بغير دليل والجرجرة لجهاز الكسب غير المشروع تارة، ونيابة الأموال العامة والمحكمة تارة أخرى لا لشيء إلا لأنى كنت رئيساً لمجلس دار التحرير للطبع والنشر (الجمهورية) فى أخريات حكم مبارك، وكانت هذه الصفة وحدها تكفى فى نظر الإخوان لاستهدافى ببلاغات تأكدت كيديتها ببراءتى من كل ادعاء بحكم المحكمة.
كانت تجربة مؤلمة عانيت خلالها استهدافًا وتعنتاً من جماعة الإخوان التى أرادت الكيد والتنكيل بنظام مبارك وكل من عمل معه لكنها كانت كاشفة لأشياء كثيرة، ورغم أننى بادرت طوعاً بتقديم استقالتى بعد احداث يناير 2011 وأصررت عليها فقد رفض غيرى من القيادات الصحفية ترك موقعه بالصحف القومية ورغم ذلك فإن مدير عام مؤسسة دار التحرير وقتها الزميل يسرى الصاوى (وهو حى يرزق) جاءنى وقتها وقال لى : ليه تستقيل يا فندم وإحنا عندنا ما يكفينا لمدة 6 أشهر أجور ومرتبات من عوائد الإعلانات وغيرها.. فما كان منى إلا أن قلت له: الاستقالة هنا واجبة .. فكيف يطلب الميدان تغيير القيادات الصحفية والإعلامية بينما نصر نحن على البقاء فى مناصبنا وتحدى إرادة الناس.. ولم تكن استقالتى هروباً من المسئولية كما رأى البعض، ولا تراجعًا عن المواجهة بل كانت قراءة استباقية لمشهد ملتبس ومضطرب لم يكن لأحد أن يتنبأ بمساراته، فضلاً عن عواقبه ونهاياته؛ فالانفلات قد ضرب كل شيء والفوضى عششت فى كل مكان والركود قد ظهرت إرهاصاته ولم يكن من الحصافة التجديف ضد تيار جارف لا تعرف اتجاهات بوصلته ولا متى يهدأ ويكف عن الفوران.. !!
وكان طبيعياً فى سياق كهذا أن أعلن موقفى صراحةً حين لاحت الفرصة فى اجتماع حاشد دعا إليه رئيس الوزراء الأسبق الفريق أحمد شفيق وضم كل القيادات الصحفية والإعلامية وقتها .. ويومها قلت بوضوح إن الشارع يطالب بالتغيير، وإبعاد من لهم صلة مباشرة بنظام مبارك .. فكيف نستمر فى مواقعنا ضد هذه الإرادة.. هذا عصر جديد ينبغى أن تعبر عنه أصوات مختلفة بمفردات وآراء وطموحات وأحلام جديدة .. هكذا يقول منطق الأمور وتقتضى طبيعة الأشياء.. ووقتها طلب منا د.يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء والمسئول عن ملف الصحافة فى وجود رئيس الوزراء ترشيح من يخلفنا فى قيادة المؤسسات الصحفية.. وقلت إننى بدورى أطالب الجميع بأن يحذو حذوى بتقديم استقالته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى كان يدير البلاد.. .. لكن رد فعل القيادات الصحفية جاء مخيباً لهذا الرجاء؛ إذ تمسكوا بالبقاء فى مواقعهم، باستثناء الزميل الكاتب الصحفى عبدالقادر شهيب رئيس مجلس إدارة دار الهلال الذى وافقنى الرأى واتخذ القرار ذاته فى التوقيت نفسه.. ويومها تساءل د.عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة الأهرام حينئذٍ: كيف نستقيل.. ؟! فرد عليه الفريق شفيق: سهلة تتقدم بطلب استقالة (!!).. لكن شيئاً من ذلك لم يحدث حينها وبقيت الأوضاع على حالها حتى تمت الإقالة الجماعية للقيادات الصحفية بعد شهرين من هذا الاجتماع.
*****