«قال يا مقال»
يأتى رأس السنة الميلادية هذا العام مختلفاً، ثقيلاً، بارداً رغم الأضواء والأغانى وصخب العد التنازلي, يأتى لأول مرة بلا أمى، بدون صوتها الذى كان يسبق التهانى، بدون دعائها الذى كان يفتح أبواب العام الجديد قبل أن تفتح صفحات التقويم, هو عام جديد فى الحسابات، لكنه فى القلب عام ناقص، مكسور الجناح، لا يشبه الأعوام التى عرفتها من قبل.
لم تكن أمى مجرد شخص نودعه فى نهاية عام ونستقبله فى بداية ، كانت هى العام كله, كانت البداية حين نتعثر، والنهاية حين نطمئن ونصل الى نقطة الأمان, كانت الزمن الجميل الذى لا يحتاج إلى تاريخ، كانت الأمان الذى لا يخضع للظروف والحب الصادق الذى يعطى بلا مقابل, برحيلها تغير معنى التوقيت والمكان والزمان، وصار للوقت طعم الفقد والحزن والاشتياق، وصارت الأيام متشابهة، لا يفرق بينها سوى مقدار الشوق.
فى كل رأس سنة كنا نظن أن الفرح يصنع بالزينة والضحكات، لكننى أكتشفت الآن أن الفرح الحقيقى كان فى وجود أمي, كانت تملأ المكان دون أن تشعر، وتمنح الدفء دون أن تتكلم كثيرا, كانت حين تبتسم، يهدأ القلب، وتطمئن الروح وحين تدعو، نشعر أن الغد سيكون أفضل مهما بدا قاسيا ومخيفا, واليوم، نقف أمام عام جديد بلا ذلك اليقين.
يقولون إن الحياة ستستمر، وإن الأعوام ستمضى سواء كنا مستعدين أم لا, نعم، ستستمر، ولكنها ستمضى بلا أم بلا أمان بلا دعوات, كل شىء يمضى، إلا الشوق، فهو ثابت لا يتزحزح, كل شىء يتغير، إلا صورتها فى ذاكرتى ووجدانى، تزداد وضوحا مع الوقت، وكأن الغياب يمنح الحضور قوة وتأثير مضاعف.
هذه المرة لن تحمل رأس السنة أمنيات كبيرة، بل يحمل سؤالا واحدا كيف نعيش بلا من كانت تجعل الحياة حياة؟ كيف نبتسم فى مناسبة كانت هى أساسها؟ نحاول، ونتظاهر بالقوة، ونقول إننا صابرون، لكن الحقيقة أن الحنين أقوى من كل محاولات التماسك, الحقيقة أن القلب حين يفقد أمه، يفقد جزءا من قدرته على النبض والحياة والفرح, ومع ذلك، نكمل, لأن الصبر عبادة واحتساب, نكمل لأن الدعاء لهن صار واجبا يوميا، ولأن الوفاء لا ينتهى بالموت.
فى هذا العام الجديد، لا أطلب الكثير, أطلب فقط أن يظل اسم أمى حياً فى الدعاء، وأن يظل أثرها بداخلى وداخل أخوتى ومحبيها نوراً لا ينطفئ, وحشانى يا أمى، والله وحشاني, وحشتيني فى كل لحظة، فى كل بداية، وفى عام جديد يأتى بدونك, لكنه لن يستطيع أبدا أن يمحوك من قلبى ووجداني, من روحى وكياني, وحشانى يا أمى والله وحشانى.









