الفتوى تعني: نقل أحكام الإسلام الصحيحة للناس، لتنير لهم طريق الحلال، وتبعدهم عن كل ما هو حرام أو يحمل شبهة حرام.. ولذلك تظل الفتوى أهم وسيلة للتعريف بالإسلام، ونشر أحكامه الصحيحة، لابعاد الناس عن طريق الحرام، وضبط عباداتهم ومعاملاتهم وسلوكياتهم الشخصية بميزان «الحلال والحرام».
الفتوى لكى تكون منضبطة بضوابط الشرع ينبغى أن تصدر عن علماء متمرسين على الفتوي، يمتلكون السمات الشخصية والعلم الصحيح، كما يمتلكون الوعى بتحديات ومشكلات المجتمع الذى يعيشون فيه، لكى تكون فتاواهم فى مكانها الصحيح، خاصة فى ظل حالة الفوضى فى ساحة الفتوى التى يشهدها عالمنا المعاصر نتيجة تطفل غير المتخصصين على الافتاء، وصدور مئات من الفتاوى التى تفتقد الدقة، وتثير لغطا وجدالاً بين الناس.
لكن للأسف.. بعض أدعياء الفكر والثقافة لايعجبهم أن تقتصر الفتوى فى أمور الدين على «أهل الذكر» الذين اختصهم الله وحدهم بالافتاء، حيث يقول الحق سبحانه: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، ويرى هؤلاء أن أمور الدين ليست حكراً على أحد.. وقد قرأت منذ أيام مقالاً لأحدهم يستنكر فيه أن يقوم على أمور الدين متخصصون، فالكلام فى أمور الشريعة- من وجهة نظره- لا يحتاج إلى متخصصين وهو حق شائع بين الناس، ومتاح للجميع خاصة فى عصر الذكاء الاصطناعى الذى يقدم وجبات دينية جاهزة لكل من يطلبها!!
للأسف.. قناعة هذا المثقف- الذى يتحدث فى كل شيء فى مصر: السياسة، والتعليم والطب، والدستور وغيره- هى قناعة خاطئة تحتاج إلى تصحيج وتصويب، فالدين له مكانته فى منظومتنا الشرعية والاجتماعية والعقلية والنفسية.. تحتاج إلى عقول مستنيرة لكى تطبق القواعد وتفكر وتجتهد وتستخلص الأحكام الشرعية المنضبطة التى تحقق مصالح العباد فى كل عصر.
لذلك كان من الضرورى أن يتصدى للإفتاء علماء الفتوى المؤهلون وحدهم لبيان الأحكام الشرعية للناس، وبيان ما فى الفتاوى العشوائية من أخطاء ومخالفة لأحكام الإسلام الصحيحة، فالبضاعة الجيدة تطرد البضاعة الرديئة من الأسواق، ونحن نتطلع إلى المزيد من الفتاوى المنضبطة من علماء لهم باع طويل فى الافتاء.
> الحرص على معرفة الحلال والحرام والمباح والمحظور عن طريق سؤال العلماء أمر طيب ومظهر يؤكد ارتباط المسلمين بدينهم وحرصهم على العمل وفق شريعة الله.. ولذلك يجب احترام مشاعر الناس ورغبتهم فى الارتباط بدينهم، وهناك كثيرون لا تبدو عليهم مظاهر تدين لكنهم أكثر الناس حرصا على الالتزام بالحلال والحرام وهذا أمر يسعدنا جميعا، فمعظم الناس تريد أن تسأل العلماء فى كل شيء، ولذلك تعددت برامج الفتاوى فى مواقع دور وهيئات الافتاء، وفى الفضائيات وحرصت الكثير من الصحف على تخصيص مساحات للفتاوي، وتعددت لجان الفتوى بالمساجد والمؤسسات الدينية.. وكل ما يساعد الناس على معرفة أمور دينهم أمر محمود وطيب.. كل ما نرجوه أن يحرص السائلون على ما يقوله لهم العلماء.
لكن للأسف نجد كثيرين يسألون عن حكم الشرع فى أمور حياتهم اليومية، وبعد معرفة الحكم الصحيح لا يعملون به، وهنا تكون تساؤلاتهم بلا معنى.. أو أنهم يبحثون عن فتاوى شرعية على مقاسهم يبررون بها سلوكياتهم الشخصية.
فى حوار مع العالم الراحل الشيخ محمد متولى الشعرواى -رحمه الله- سألته عن رأيه فى كثرة الفتاوى الدينية فقال» كثرة الفتاوى ليست دليل تقوى وورع وحرص على الدين، فبعض الناس يسألون للحصول على مبررات شرعية لسلوكياتهم وتصرفاتهم وقناعاتهم، وهذا الصنف من الناس تراه يجادل العلماء ويناقشهم ويقدم لهم المبررات ويسوق لهم المسوغات لتصرفاتهم، فهم لا يقتنعون بما يقوله العلماء الذين يستفتونهم، ولذلك هؤلاء لا يستفيدون من العلماء لأنهم ليسوا حريصين على معرفة الحلال والحرام».
> سألت عالم الفتوى الكبير د.نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء ومفتى الجمهورية الأسبق عن لجوء كثير من الجماهير إلى خطباء المساجد للحصول منهم على فتاوى فقال: كثير من خطباء المساجد يفتون فى أمور الدين بحكم ثقافتهم الشرعية الواسعة.. لكن ليس كل خطيب مسجد يصلح لكى يكون مفتيا.









