يبدو أن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين تقترب من منعطف حرج، والحقيقة أن المواجهة بين البلدين تتجاوز النزاعات التجارية، وتتطور إلى صراع حقيقى من أجل تشكيل المستقبل، إذ يؤكد كل جانب ادعائه بأنه القوة الاقتصادية العظمى المهيمنة والأحق بصياغة نظام عالمى مستقبلي. وفى قلب هذا الصراع يقع المجال المحورى للتكنولوجيا والابتكار، حيث تتنافس الدولتان بشدة من أجل الهيمنة عليه.
فى المشهد الحالي، تتمحور المنافسة بين البلدين بشكل حاسم حول إنتاج المعالجات، وهى ساحة تتميز بتعقيد لا مثيل له، خاصة أن هذا التحول اكتسب أهمية متزايدة على خلفية وباء كوفيد 19، تلك وهى الأزمة التى كان لها تأثير عميق على صناعة المعالجات، إذ وجدت الشبكة المعقدة من سلاسل توريد أشباه الموصلات، والتى تخدم بمثابة شريان الحياة للإبداع التكنولوجي، وجدت نفسها معطلة بشدة.
وبينما تناور القوتين العالميتين عبر تعقيدات هذه المنافسة عالية المخاطر، تبرز صناعة المعالجات كنقطة محورية لا ترمز إلى الصدام التكنولوجى الحالى فحسب، بل تلخص أيضًا السرد الأوسع للتعافى بعد الوباء وإعادة معايرة الديناميكيات الاقتصادية العالمية، إذ أصبحت المعركة من أجل التفوق فى إنتاج المعالجات رمزا للتحديات والفرص التى تنتظرنا فى إعادة تشكيل المشهد التكنولوجى فى أعقاب الاضطرابات العالمية غير المسبوقة.
وفى سياق هذا الصراع، كثفت إدارة الرئيس جو بايدن جهودها، مع التركيز بشكل مباشر على الشركة الهولندية «أيه أس أم أل» القابضة لإلغاء صفقة بيع معدات تصنيع الرقائق الإلكترونية المتقدمة للصين. وتأتى هذه الخطوة من قبل الإدارة الأمريكية كرد مباشر على طلب مسبق من الصين، والذى أدى إلى تفعيل قرار حظر تصدير مثل هذه التكنولوجيا الحيوية إلى الدولة الآسيوية.
وإذ تبرر الولايات المتحدة موقفها المتشدد استنادا إلى ضرورة تبنى سياسات صارمة ضد شركات التكنولوجيا الصينية بحجة الخوف من تشابك التكنولوجيا الصينية مع أجهزة الدولة، لاسيما القدرات العسكرية، بما يمكن أن يؤدى إلى أنشطة تجسس عالمية، فإن الصين ترفض بشدة الإجراءات التى فرضتها الولايات المتحدة، والمصممة خصيصًا للحد من وصول الصين إلى تكنولوجيا تصنيع الرقائق المتقدمة. وتكشف ملامح هذا النزاع عن نقاط توتر أعمق بين البلدين تقترب من ذروتها.
إذن، الخلاف حول الوصول إلى تكنولوجيا تصنيع الرقائق المتقدمة بات نقطة محورية، وحوله تتبلور التعقيدات الأوسع فى العلاقة الثنائية، لتلخص صراعاً أعمق بين المصالح الاستراتيجية، والمنافسة الاقتصادية، والنفوذ الجيوسياسى العالمي.