مازال يتردد فى جنبات الزمان دعاؤه «فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم» (إبراهيم : 37) فقد ترك أهله بواد غير ذى زرع عند بيته الحرام.. لاماء ولا بشر ولا ظل يحول دون الشمس الحارقة أو غليان الرمضاء عند الهجير.
امرأة وطفل رضيع.. ضعيفان يستندان إلى ظل البيت العتيق يتربص بهما شبح الجوع ووحشة الصحراء.. ويصرخ الطفل.. يكاد يقتله الظمأ.. وتهرول الأم بين الجبلين العتيقين الصفا والمروة لاهثة تبحث عن قطرة ماء.. قطرة رحمة… وتأتى رحمة الله فإذا بجبريل يضرب الأرض بجناحه ليتفجر عند قدم الرضيع ماء زمزم.. وتتواكب الحياة.. الماء والبشر.. والعمران وتتحول البيداء إلى أم القرى … حاضرة الزمان وأنس الوجود.. ينبض من خلجات المشاعر.. وفيض من نعيم الله.
ورفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل – عليهما السلام – وأذن فى الناس بالحج منذ عشرات القرون وأصداء صوته مازالت تدوى فى سمع الزمان وتتردد فى حنايا الأرض لتحمل فى أعطافها ملايين قد جاءوا صائحين «لبيك اللهم لبيك… لبيك لا شريك لك لبيك».
جاءوا من أقاصى الدنيا.. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق.
فى الماضى كان يعمد الأهل والأصحاب إلى توديع المسلم الذى يسافر لأداء الفريضة وداع المفارق ولكن حدة هذه المعاناة قد خفت كثيرا حيث تطورت أساليب الحج هذه الأيام وأصبحنا نسمع للحج مسميات جديدة منها الحج السياحى والسريع والسوبر وغيرها.
ومن العادات المرتبطة برحلة الحجاج قبل موعد الحج بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع يقيم الموسرين « ليلة لأهل الله « تذبح فيها ذبيحة ويعزم الأقارب والجيران والأصدقاء . وغالبا ما يصاحب ذلك المنشدون الذين يذكرون فضائل الحج ويباركون الحاج على رحلته الميمونة.
ومن التقاليد والعادات الشعبية أن تضع أسرة الحاج علما أو بيرقا صغير الحجم أبيض اللون وينقش عليه رسوم الكعبة وكبش الفداء وطائرة أو سفينة (كرمز لوسيلة المواصلات المستخدمة(، ويكتب على المنزل بخط كبير عبارة «حج مبرور وذنب مغفور» وعادة ما يرسم شكل جمل، لارتباطه فى ذهن الرجل الشعبى بالصحراء كوسيلة تقليدية استخدمها السابقون فى آداء فريضة الحج.
وفى يوم سفر «الحاج» من القرية إلى القاهرة أو السويس يقوم الأهل والأقارب والأصدقاء بتوديعه فيما يشبه زفة العريس التقليدية، وغالبا ما تكون وسيلة المواصلات «المأمونة» هى القطار وعادة ما يتفق الأفراد الذين سوف يؤدون شعائر الحج على السفر سويا بالقطار فى نفس الوقت أو الميعاد. ولذلك يكون بمحطة القطار أكثر من «حاج « يلتف حول كل واحد منهم مجموعة من الأصدقاء والأقارب الذين جاءوا لتوديعه. ويزف «الحاج» من منزله إلى محطة القطار حيث يلتف حوله الأقارب والجيران والمعارف من الرجال والأطفال أيضا فى شكل مجموعة تتبعهم مباشرة مجموعة من النسوة يحملن سعف النخيل وينشدن بعض الأغانى الشعبية المحلية التى تؤدى فى مثل هذه المناسبة مثل أغنية:
مع السلامة يا حجاج
عجبال الملاجية «عقبال – الملاجية أو الملاقية اللقاء» ودى سنة مبروكة السنة دي.. وعقبال السنة اللى جايه