عندما كتب الفيلســوف محمد إقبال، قصيدتيه «شــكوي»و»جواب الشــكوي» كان يعيــش حيــرة المســلم الذى يجد بــن يديه أســباب رقيه وتحضــره وهى «القرآن الكريم والســنة المشرفة لكنه يعيش تراجعًا وتأخرًا واستعبادًا من قبل القوى الاســتعمارية التــى احتلت بلاده مــن أقصاها إلى أقصاها وســيطرت علــى مقدراتها، لكنه عندما أصدر ديوانه «أســرار الــذات» عام 2015م أي بعد ســنتين من قصيدتى شــكوى وجواب الشــكوى كان قد وقع على الأســباب الحقيقية لما حدث وأراد أن ينبه العالم الإسلامى إلى ذلك وأن يدعو أبناءه إلي طريق النجاة الحقيقيــة وتمثل ذلك فى دعوته إلى العودة إلى الإيمان بالذات الإنســانية التى خلقها الله وتقويتها لتكون وســيلة لصناعة التحضر الإنساني والرقى المادى وهو أمر يخالف ويناقض ما كان منتشــرًا فى العالم الإسلامي فــى ذلك الوقت والمتمثــل فى اماتة الذات والحط منهــا والتخلى عنها بالفناء فى الله وبالتالى فهو ينقض بدعوته هذه ما يســمى بنظرية وحدة الوجود التي تنتشر فى فلســفات كثيرة وأديان أيضا مثل البرهمية، الهندوسية فى الهند وكذلك البوذية التى ترى أن النفس الإنســانية تســعى إلــى التظهر حتى تتحد بالله ســبحانه تعالى الذى هو والعالم شــيء واحدـ من وجهة نظرهم ــ ويســمون ذلك «النيرفانا» وكذلك الافلاطونية، ومن فلاسفة المسلمين ابن عربى وغيره.
ومــن هنــا أدرك «إقبال» ان انتشــار الدعــوة إلى الفنــاء فى اللــه فضلا عن الفلســفات الغربية التى تركز على الغيبيات التى لم نؤمر إلا بالإيمان بها كما جاءت فى كتاب الله دون بحث فى كنهها كما جاء فى الأثر: «تفكروا فى آلاء الله ولا تتفكروا فى ذاته» إلا أن المسلمين منذ القرن الرابع عشر الميلادى أغرقوا أنفسهم فى الغيبيات التى لم يؤمروا إلا بالايمان بها فقط تركوا عالم الشهادة الذى أمروا بالبحث فيه والتفكر فيه فأصابهم ما أصابهم.
و ذهبت حيرة إقبال وأدرك أن القضية ليســت فى القرآن والسنة وإنما فى العمل بما جاء فيهما وبقدر مــا انحرف العاملون عما جاء فى توجيهاتهما بقــدر التراجــع والتخلف. هذا الديوان وهــذه الدعوة وهــذه النظرية أهاجت العالم الغربى على إقبال وكذلك العالم الشرقى الذى يؤمن الكثيرون فيه بما يقوله ابن عربى وتلامذته بوحدة الوجود وضرورة الفناء فى الله والتخلى عن كل ما يعلق بالإنســان من أمــور الدنيا وكأنهم يدعون النــاس إلى التخلى عن المهمة الرئيســية التى خلقهم الله من أجلها وهــى عبادته وحده بعمارة الدنيا كمــا أمر لأن آيــة توحيده هى التزام مــا أمر واجتناب ما نهى .