أسئلة عديدة تفرض نفسها ونحن نركض وراء أخبار الحروب والصراعات فى المنطقة والعالم، بما فيها التساؤلات حول مدى قدرة الشعوب على استيعاب الآثار السلبية لهذه الحروب على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، وهل يمكن إنهاء الحرب الروسية ـ الأوكرانية هذا العام، وهل يتوقع أحد توقف دوران آلة الحرب و»الإبادة» الإسرائيلية فى قطاع غزة، وماذا عن مخطط التهجير القسرى الإسرائيلى للفسلطينيين ونوايا تل أبيب بالتوسع فى الحرب لتشمل أطرافاً أخرى بالمنطقة، وماذا كذلك عن الصراع الدائر فى البحر الأحمر بشخوصه الحوثية والأمريكية والبريطانية ، ثم لماذا لم تنته الحرب الأهلية فى السودان حتى الآن؟.
وحقيقة فإن إجابات التساؤلات السابقة كلها دراماتيكية و«صادمة» فى ظل مؤشرات تقول إن الصراعات والحروب المشتعلة الآن ستستمر وأن آثارها الخطيرة ستتفاقم ، فالحرب الروسية ـ الأوكرانية التى اشتعلت عام 2022 وكان من المتوقع أن تستمر أياماً قليلة أو فترة محدودة ، فإذا بها تقترب من العامين وستدخل عامها الثالث بعد أسابيع ، مخلفة فى ذلك أضخم أزمة اقتصادية بالعالم فى القرن 21 ، وفى السودان تزداد الأزمة تعقيدا مع تعمد أطراف إقليمية ودولية توسيع دائرة الخلافات بين الأشقاء السودانيين واحتدام القتال بين ابناء البلد الواحد، أيضا فإن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتى اشتعلت فى أكتوبر الماضى باتت فى شهرها الرابع ، وقد تستمر شهورا أخرى حسب تصريحات قادة إسرائيل، والذين يرفضون الحديث عن وضع نهاية لهذه الحرب «البربرية» بكل المقاييس.
الأسبوع الماضى أعاد الاتحاد الأوروبى التأكيد على أن نهاية الحرب فى غزة وعدم تكرارها مرتبط بقيام دولة فلسطينية ، وردت إسرائيل بالقول: بأن تل أبيب مستعدة لإنشاء «جزيرة فى البحر» لتكون مقرا للدولة الفلسطينية، فى إشارة إلى استحالة قيام هذه الدولة من وجهة النظر الاسرائيلية واستمرار تنفيذ مخطط التهجير، وهو ما تصمت عنه أوروبا فى تناقض غريب بين « الأقوال والأفعال» ، وآخر هذه الأفعال ما أقدم عليه عدد من الدول الأوروبية من وقف التمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» فى الأراضى الفلسطينية، ما يعنى إنصياع أوروبا لمخطط إسرائيل بإبادة سكان غزة و المشاركة فى حصارهم وتجويعهم والتخلص منهم بالموت البطيء.
الكارثة الأخرى هى أن التهديدات بتوسع دائرة الحرب الإسرائيلية فى سوريا ولبنان مازالت قائمة ، كما لم تخف بعض التقارير شكوكها فى أن إطالة الصراع فى البحر الأحمر يأتى برغبة صهيونية وأن هناك أيادى إستخباراتية تقف وراء تغول أثيوبيا على سيادة الصومال العربية ، وأن الغرض من الوجود الأثيوبى فى ميناء «بربرة الصومالي» هو التأثير على الملاحة فى البحر الأحمر ومن ثم قناة السويس، كما ذهبت هذه التقارير إلى أن التوترات التى حصلت فى كردستان العراق وبين إيران وباكستان، كذلك ضرب موقع أمريكى على الحدود السورية الأردنية، كلها «صناعة إسرائيلية «حتى وإن اتهمت فيه تنظيمات مسلحة عربية أو غير عربية.
هكذا هى الصورة «المهتزة» للعالم والإقليم، نتيجة غياب الشرعية الدولية وإصرار الدول الكبرى على فرض سياسة الأمر الواقع على الدول النامية لتحقيق مصالحها وضمان أمن إسرائيل ، ودون احترام لدور مجلس الأمن أو الإلتزام بالميثاق الأممي، ثم ما طالبت به محكمة العدل الدولية قبل أيام : بمحاكمة الاحتلال الإسرائيلى الذى يحتل شعبًا آخر منذ 76 عامًا، ارتكب خلالها مئات المجازر والإبادة الجماعية، وكذلك محاكمة من يدعم ويوفر الحماية السياسية والقانونية لهذا الاحتلال على وقف جرائم الحرب وجريمة الإبادة الجماعية التى يرتكبها فى قطاع غزة والأراضى الفلسطينية، وحقيقة فإن ما أرتأته محكمة العدل الدولية ورغم أهميته ، يظل « كلاما مرسلا» غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع فى ظل الدعم الغربى لإسرائيل وفى ظل عجز الأمم المتحدة عن تنفيذ القرارات الدولية، فالكيان الصهيونى لن يكف عن ارتكاب جرائمه فى قطاع غزة والأراضى الفلسطينية، كما أن الدول الكبرى لن تتوقف عن دعم إسرائيل والإنحياز لمخططاتها الإستعمارية فى المنطقة.
لقد شهدت العقود القليلة الماضية كل أشكال الخلل فى الخريطة الإقليمية والدولية، بتكريس» الظلم» والكيل بمكيالين والإنحياز لإسرائيل، وبإشعال الحروب بالوكالة والحروب الأهلية ، وباستدعاء الفوضى وصناعة الإرهاب فى المنطقة العربية، وإضعاف بعض دولها وتفكيك جيوشها، ثم بتفقير الشعوب وإجبارها على ما لا ترتضيه أو ما يمس إرادتها، وليست مبالغة فى أن ما يحدث فى المنطقة والعالم الآن وتأثرت به مصر ، يجعلنا فى أشد الحاجة إلى القراءة «المتأنية» والمتعمقة لإدراك مايحدث حولنا وأنه يستهدف مصر بالتحديد، وأننا فى هذه المرحلة فى أشد الحاجة للمزيد من وحدة الصف والوعى والصمود.